للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دين الله أن يعلق بهؤلاء السماعين للكذب، الأكّالين للسحت، فإن آلمهم كلامنا هذا فليخبرنا فقيههم عن حكم الله في كل ما يقع في "وعدة عابد" التي هو بطلها وجبلها الذي يمسكها أن تزول، وهل كل ما يقع فيها يتفق مع أحكام الإسلام؟ وهل الأموال التي تنفق فيها يرجع شيء منها إلى مصلحة الأمة فتعدّ مما أنفق في سبيل الله؟

كانت هذه العوائد، التي يسمّونها "وعايد"، المنتشرة في العمالة الوهرانية- على الخصوص- من شر ما أوحى الشيطان إلى أوليائه، وتنزل به عليهم؛ وإنما تنزل الشياطين على كل أفّاك أثيم؛ فأمرهم بالفحشاء ووعدهم الفقر إن تركوها؛ وقد ركدت ريحها في السنوات الأخيرة، وأعرض عنها كثير ممن وفّقهم الله، وتأثر بالإصلاح الذي يحارب أمثالها من البدع والمنكرات والآفات، ومنهم من وزعه عنها وازع المروءة، فإن ما يقع فيها لا تحتمله نفس الحر الأبي الغيور على أمّته، ولما جاءت الحرب وفشت الخصاصة في الناس نسوها وهجروها، والفقر ينهى عن الفحشاء والمنكر أحيانًا، إلى أن عادت لميس، فأزّتْ لإحيائها خلفاء إبليس.

...

وعادت لعترها (لميسنا) في كل ما جرى من انتخابات في السنة الماضية، لما رأت المسلمين بدأوا يقدرون الانتخاب حق قدره، ويعرفون له قيمته، وبدأوا يتذوّقون معنى الديمقراطية التي أمات الاستعمار معناها الإسلامي في نفوسهم، فكدرت لهم شربها بتدخّلها العلني، وبما تستخدمه من وسائل الترغيب والترهيب، إلى أن كشفت في الانتخابات الأخيرة عن سرّها، وصرّحت عن شرّها، وكان ما كان، مما صدق الخبر فيه العيان.

إن الديمقراطية عند حكومة الجزائر كصلاة المنافقين، لا تزكي نفسًا، ولا تنهى عن فحشاء. وتفضلها صلاة المنافق بأن فيها من الصلاة مظهر الصلاة فإن الديمقراطية- عند الأمم التي تنتحلها وتزعمها لنفسها- تتجلّى في عدة مجالى أرفعها الانتخاب، فهو عندهم العنوان الواضح للحرية، والبرهان اللائح على إطلاق الإرادة، والميزان العادل لاختيار الشعب.

أما في الجزائر فالانتخابات، منذ سنّت، لعبة لاعب وسخرية ساخر، ورهينة استبداد؛ ولدت شوهاء ناقصة، وما زالت متراجعة ناكصة، وُضعت من أول يوم على أسوإ ما يعرف من التناقض، وأشنع ما يُعلم من التحكم والميز والعنصرية، وهو تمثيل الأكثرية في المجالس المنتخبة للأقلية من السكّان، والأقلية فيها للأكثرية منهم، قد كانت هذه الانتخابات شرًّا مستطيرًا على الأمة الجزائرية وأفتك سلاح رماها به الاستعمار، بعد أن نظر النظر البعيد، وكانت ضربة قاضية على ما كانت تصبو إليه وتستعدّ من وحدة الكلمة واجتماع الشمل،

<<  <  ج: ص:  >  >>