فكلّما جهد المصلحون جهدهم في جمع كلمتها- وكادوا يفلحون- جاءت هذه الانتخابات فهدمت ما بنوا وتبرته تتبيرًا، كان هذا كله قبل أن تقف الحكومة مواقفها المعروفة في انتخابات السنة الماضية؛ أما بعد أن ظهرت بذلك المظهر، وسنّت للانتخابات الجزائرية دستورًا عنوانه "الحيف والسيف" وارتكبت فيها تلك الفضائح التي يندى لها الجبين خجلًا، والتي يأنف الفرد المستبدّ من ركوبها، فضلًا عن حكومة جمهورية في مظهرها، ديمقراطية في دعواها، فإن الانتخاب أصبح وبالًا على الأمة ووباءً، وذهب بالبقايا المدّخرة فيها من الأخلاق الصالحة هباءً، وأصبحت هذه الكراسي عاملًا قويًّا في إفساد الرجولة والعقيدة والدين، وإمراض العزائم والإرادات، وفيها من معاني الخمر أنّ من ذاقها أدمن، وفيها من آفات الميسر أنّ من جرّبها أمعن. وقد كنا نخشى آثارها في تفريق الشمل وتبديد المال، فأصبحنا نخشاها على الدين والفضيلة، فإن الحكومة اتخذت منها مقادة محكمة الفتل لضعفاء الإيمان ومرضى العقيدة وأسرى المطامع منّا، وما أكثرهم فينا، خصوصًا بعد أن أحدثت فيها هذه الأنواع التي تجرّ وراءها المرتبات الوافرة، والألقاب المغرية.
ليت شعري، إلى متى تتناحر الأحزاب على الانتخاب وقد رأوا بأعينهم ما رأوا؟ وعلامَ تصطرع الجماعات؟ وعلامَ تنفق الأموالُ في الدعايات والاجتماعات إذا كانت الحكومة خصمًا في القضية لا حكمًا؟ وكانت تعتمد في خصومتها على القوة وهي في يدها، وكانت ضامنة لنفسها الفوز في الخصومة قبل أن تنشب.
ويحٌ للأمة الجزائرية من الانتخاب، وويل للمفتونين به من يوم الحساب.
...
وعادت لعترها لميس في هذه الأيام، وكانت عودتها هذه المرة للمدارس العربية التي تديرها جمعية العلماء، فبعد أن سكتت عليها سنين اتّسق فيها سيرها وعاد إلى الأمة خيرها، عادت عليها في هذه الأيام بالتضييق والتعسير، وأخرجت ما كان مخبوءًا في جعبتها من القوانين والقرارات، وألقت بها في أيدي القضاة وحرسة الأمن ليرهقوا ويغلقوا ويحاكموا، كأن التعليم جريمة يترتب عليها العقاب، وكأن حبل الأمن اضطرب بسبب هذه المدارس ومعلّميها وأطفالها.
بدأت دعوة المعلّمين إلى المحاكم نَقَرى، ونحن نقدر أنها ستعمّ، وإن أول المطر قطر ... وإن الأحكام ستكون بالغرامة فالسجن، ولكننا سندخل هذه المحاكم برؤوس مرفوعة، وسنتلقّى هذه الأحكام بنفوس مطمئنة بالإيمان، وسندخل السجون بأعين قريرة، وسنلتقي (بإخواننا) المجرمين في مجالس الأحكام ومقاعد الاتهام ... وحسبنا شرفًا أن يكون