للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضعفاء، وفي مرية من أن الاستعمار ترك لأولئك الساقة وجهة غير وجهته التي يزاحم عليها سائق سائقًا، ويجاري فيها متخلف سابقًا:

أنتم تحثون الركائب لغاية تزعمونها، وفي القافلة الكبرى أنضاء طلاح، إن لا تعوّق عن تلك الغاية تؤخر البلوغ إليها، فهلّا أذّنتم في أولاها بالأناة والتلبّث، وحدوْتم في أخراها بالعجلة واللحاق، حتى يتلاقى البطاء والسراع على الغاية؟ أما عملكم اليوم فهو مضاعفة لقوادم الطائر حتى يحلّق في الجوّ، وإضعاف لحركات الواقع حتى ينبَتّ في الدو.

هل أتاكم نبأ أمة تعيش في زمنكم، بغير أدوات الحياة في زمنكم؟ وهل أنتم على بصيرة من وضعيتها الناشزة الغريبة الشاذة في نواميس زمنكم؟

هل أتاكم نبأ عشرة ملايين من سلائل البشر الراقية، تحكمها فئة تعادل عشرها، ليس بينهما من الجوامع إلا الآدمية، ولا من الصلات إلا صلة القوي بالضعيف، ولا من العلائق إلا امتصاص الأقل لدم الأكثر، وسمنه بهزاله، واعتزازه بإذلاله.

إن هذه الملايين تُساس بقوانين لا رأي لها فيها، وبمجموعة من النُظم لا يد لها فيها، وبأنواع من الإدارات غابت عن وضعها، وهي موضع تنفيذها وبعُصَب من الرجال ليس فيهم واحد منها ... إلا واحد يمسك عنقها للذبح، وآخر يضرب بدنها للإرضاء.

كيف ترجو هذه الملايين العدلَ أو تتخيله؟ وليس من أبنائها قاض مستقلّ في محكمة، ولا رئيس مسؤول في إدارة، ولا ضابط كبير في ثكنة، ولا حاكم كبير ولا صغير في مركز، ولا مدير حرّ في مصلحة، بل كل فرد منها خادم مطيع، وكل أجنبي عنها مخدوم مطاع، وكل الوظائف الرئيسية في وطنها محتكرة لغيرها، وكل المنافع الثابتة أو النابتة في أرضها محرّمة عليها.

تشريك المواطنين في الرأي والحكم هو سمة زمنكم، ولكن هذه السمة مطموسة في الجزائر، وحرية المعتقدات والأديان هي شعار زمنكم، ولكن هذا الشعار لا يوجد في الجزائر، وحرية التنقّل هي مفخرة زمنكم، ولكنها معدومة في الجزائر، والمساواة في القانون والعدالة من ثمرات زمنكم، ولكنها محرّمة في الجزائر، والديمقراطية هي دعوى زمنكم، ولكنها باطلة في الجزائر، وحرمات المنازل والأعراض من تبجحات زمنكم، ولكنها مهتوكة في الجزائر، وعصمة الأبدان من الضرب والتعذيب من أكاذيب زمنكم، ولكن الجزائر أصبحت مدرسة عالية لتعليم النمط الرفيع من أنواع الضرب، وأساليب التعذيب وأصبحت تجارِبُه الأولى في أبداننا، ولولا هدير البحار، وصخب الساسة لسمعتم أنين المكلومين، ولامتزج في آذانكم حفيف السياط بالصراخ و "العياط"؛ وليوشكن إن تمادى زمنكم في التفنّن، ولم تبادروا جرثومة الاستعمار بالاستئصال- أن تستمرئوا لذة نيرون باحتراق روما،

<<  <  ج: ص:  >  >>