وسعدًا في القادسية، والمثنَّى في بابل، وعمرًا في بلبيس، وعقبةَ في افريقية، قد خالطت بشاشته قلوب طائفة من أحفادهم؟
إيه- أبناءَنا الأعزّة- أإضرابٌ ما صنعتم، أم إطراب؟ لقد أضربتم، فأطربتمونا، فللهِ إضراب كل ما فيه إطراب، فاسكُبوا- يا أبناءنا- هذه الأغاريد في الآذان العَطِلَة، فقد طال عهدُها بسماعها، واضرِبوا هذه الأمثال الشوارد في التحدّي، للظلم والتعدّي، فقد استطابا في دياركم، وكذّبوا الظانين بكم ظنّ السوء فقد طال ما قالوا عنكم وتقوّلوا؛ قالوا إنكم كآبائكم تقولون كثيرًا، ولا تعملون شيئًا، هانكم تحسنون المطالبة، ولا تحسنون المغالبة، وإنكم ترهبون القويّ، وتتبعون الغويّ، وإنكم لا تعملون الواجب، لأنكم لا تعرفون الواجب، وإنكم تنامون على الضيم والهون، لأنكم في غمرة ساهون، وإنكم في حالتي الحمق والكيس، لا تعدون أخلاق امرئ اقيس (١):
فأمثلُ أخلاق امرئ القيس أنها ... صلابٌ على طول الهوان جلودها
لله أنتم، حيث كنتم، فقد كذّبتم هذه الأقاويل بالفعلة الحاسمة، وأريتمونا مثالًا من التصميم بعد ما قامت فينا نواعيه، ونموذجًا من التحدّي بعد ما فقدت منا دواعيه، ورمزًا من التحكُّم في التحكّم خابت من قبلكم سواعيه، وعنوانًا من الوفاء لزمنكم قل راعيه وغاب واعيه.
أضربتم فسخِروا وقالوا: عادة ونوبة، ثم أصررتم فتماروا وقالوا: رُعونة من ورائها معونة، ثم تحدّيتم فصدّقوا، ولئن زدتم ليقولنّ: آمنّا أنه لا إله إلا الذي خلق الزيتونة شجرة مباركة، والزيتونيين رجالًا مباركين ...
أضربتم فتلفَّت الزمان المشيح بوجهه، المليحُ بنهره ونجهه، ثم مدَّ الإضراب مدّه، وبلغ أشدّه، فتساءل الناس: أفي الحقّ هذا؟ أفي الواقع هذا؟ ثم انقسموا فريقين.
أضربتم فقال بعض الناس: أضربوا عن الدرس، وهو جدوى، وعن العلم، وهو غذاء، وقلنا نحن: أضربوا عن حاضر لا أمل فيه، لينشئوا مستقبلًا كله آمال، وكله خيرات.
إن الأسابيعَ التي تقضونها في الإضراب، لأجْدَى عليكم من شهور ينقضين في مقدمات بلا نتائج، وفي التقلّب في موات، من عقول الأموات.
تلك دروس تغذّي الذهن، ونحن من تغذيتها للعقل والروح في شك مريب، وهذه دروس تغذّى العقل فيعرف الحياة، وتغذّي الإرادة فتعمل للحياة، وتغذي الروح فتفقه سر الحياة، وتغذي العقيدة فيتبيّن كل إنسان واجبَه، وتغذي العزيمة فينبعث كل إنسان إلى تأدية