واجبه، وتغذّي النفس فتطهرُ من أدران الخوَر والفسولة والتخنث والتردد، وإن هذه لجماع الأمراض التي أودت بأمّتكم.
أعندنا علم؟ فأين الحياة؟ إن العلم الذي لا يحيي، جهل مسمّى بغير اسمه! أعندنا علماء؟ فأين قيادتُهم للأمة، وأين آثارهم في توجيه الأمة وتوحيد الأمة؟ إن العالِم إذا لم يقدْ انقاد، فإن انقاد جاءت الفتنة والفساد.
معذرة إليكم- يا أبناءنا- إذا لم نعمل لكم شيئًا فقمتم تعملون لأنفسكم.
لعلّكم سمعتم وحفظتم هذه الجملة: الناس بزمانهم أشبهُ منهم بآبائهم، ولعلكم سمعتم في معناها تأويلين أو تأويلات؛ لكنها لا تقبل التأويل، لأنها من آيات الله في الأنفس والآفاق؛ فأين موضعُ الشبه منكم بزمانكم؟ زمانكم طائر، وأنتم واقعون، وزمانكم مصمّم، وأنتم متردِّدون، وزمانكم سائر، وأنتم جامدون، وزمانكم ضاحك مستبشر، وحظُّكم منه العبوس والحزن، ويمينًا، لو أن هذا الزمان تمثّل بشرًا سويًّا وانتسبنا إليه لعرَضنا وعرضكم على القافة ... تريدون أن تبرّوا أباكم الزمان، وأن تصدُقوا في انتسابكم إليه، فلكم العذر ولكم الحق.
كأن عيني تراكم في معهدكم تطوُون الليالي كأنما تطوُون من التاريخ صحائف، وتعافون الطعام، وكأنما تصدفون عن المعاني البطنية التي أذلَّت أعناق الكثير من أمّتكم فكانت المقادة إلى إذلالهم وإذلال الوطن بهم، وتصومون وكأنما صومُكم عن الشهوات الغالبة التي ينقُدُها الغرب أثمانًا لضمائر الشرقيين وفضائلهم، إن صومَكم- وإن كان غير مشروع- لأزكى من صوم كثير من عبَّاد الشهوات:
أيْ أبناءنا، لولا هذه المعاني التي رفعتم بها من قيمة عملكم، لكان إضرابكم ضربًا من غضب الصبيان، يفثأ (٢) باللعبة الحقيرة، ويكسر بالبسمة المصطنعة؛ إن هذا النوع التافه من الإضرابات لا يخيف خصمًا، ولا ينيل رغيبة، وقد ألفه الناس حتى ما يبالوا به بالة.
أما والله لو نال شبابَ الأمم الحية عشرُ ما نالكم من بخس وهضيمة لأقاموا الدنيا وأقعدوها، ولقام معشر خشن، فكيف يستكثر منكم إضراب أسابيع؟
إن دينكم وتاريخكم ووطنكم ورفاتَ أجدادكم، كل أولئك في حاجة إلى هذا النوع السامي من مقاومة الجمود، ونفض غبار الركود ...
أيها الأبناء الأعزّة:
أفي هذا الشمال قعدة عن نصركم؟ إن كانوا، فلا كانوا، ولا كان من يلوذ بالاعتزال عن هذا النزال.
٢) يفثأ: تكسر حدّته، وأصله من فثأ الماء المغلى إذا صبّ عليه الماء البارد وقت الغليان.