للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآن يا مصر ... الآن وقعت على مفتاح القضية، وقد أقدمت فصمّمي واحذري النكول والتراجع فإنهما مضيعان للفرصة؛ اجعلي من أرضك صعيدًا واحدًا، واجمعي أبناءك كلهم فيه صفًّا واحدًا، بقلب رجل واحد، على الحفاظ والنجدة والاستماتة في حقك والموت في سبيله، واجعلي من وجهيك وجهًا واحدًا مستبين القسمات، واضح السنن، يراه عدوّك فلا يرى إلا الحق مشرقًا، والغضبة بارزة العنوان.

إن بين السبق والتخلّف خطًّا دقيقًا، يتجاوزه الحرّ الأصيل، فإذا هو مستول على القصب، وإن بين النصر والهزيمة خطوة ضيّقة، يخطوها الشهم الشَّمَّريُّ فإذا هو حائز الغلب؛ وإن المعالي شدّ حيزوم، وشحذ عزيمة، وتلقيح رأي سديد برأي أسدّ، وتطعيم عقل رشيد بعقد أرشد، ثم استجماع للقوّة الداخلية كما يستجمع الأسد للوثبة.

ليت شعري! ... لو لم تصنع مصر ما صنعت، فماذا كانت تصنع؛ أكانت تستخذي للغاصب، فتبقى مقيّدة به، يعادي فتعادي بلا سبب، ويحارب فتحارب بلا أجر ولا غنيمة، ويرضى فترضى بلا موجب، ويواصل فتواصل على مضض؟

وكنا نظن أن الإنكليز راجعوا بصائرهم، وأخذوا من تأديب الزمان بنصيب ومحوا سيّئة الاستعمار بحسنة التحرير، وسنّوا للمستعمرين الجائعين سنّة التعفّف- يوم حرّروا الهند وباكستان- على ما في ذلك التحرير من شوائب، ويوم أعانوا سوريا ولبنان على التخلّص من البلاء المبين، كنا نعتقد أن تلك البوادر من انجلترا- لو تمادت عليها- أصلح لها وأبقى على شرفها، لأن من ثمراتها أن يصير خصومها أصدقاءَ وأعوانًا، ولكن معاملتها لمصر هذه المعاملة القاسية التي انتهت بالأزمة الحالية، كذّبت ظنوننا، وسفهت اعتقادنا، وأقرّت أعين المستعمرين أعداء التحرير.

...

إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، المعبّرة عن إحساس الشعب الجزائري كله، تعلن تأييدها للشعب المصري وتضامنها معه في موقفه الحازم، ولا تصدّها عن أداء واجبات الأخوّة هذه الحدود الوهمية التي خطّها الاستعمار بين أجزاء الوطن الواحد، ولا هذه السدود الواهية التي أقامها بين أبناء الوطن الواحد، لأن العواطف الجيّاشة كعثانين السيل لا تردّها حدود ولا سدود.

وجمعية العلماء تحيّي جهود الشعب المصري، المجاهد في سبيل حرّيته واستقلاله، وتدعو له بالثبات في هذا المعترك الضنك، وبالانتصار في هذه المعركة الحاسمة، وأن يكون انتصاره آيةً من الله يثبّت بها عزائم المستضعفين، ويحلّ بها ما عقد الأقوياء، وإن الشعب

<<  <  ج: ص:  >  >>