يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا ...
وما زالوا يطلبون الصدقة ممن سلبهم وما زالوا يفزعون كلما لطمهم اليهود إلى الاحتجاج، وما زالوا يطرقون أبواب هذا الهيكل الخرب الذي يسمّى جمعية الأمم المتحدة.
أنا لا أتحدث عن قلوب السامعين ومواقع كلام القائد منها، ولا أملك لها أن تكون خلية أو شجية، وإنما أتحدث عن قلبي. فوالذي خلق القلوب مضغًا سوداء وبث فيها شعلًا من النور، لكأنما كانت تلك الكلمات نبالًا على قلبي تنثال على هدف، ونصالًا تتوالى على جريح. يا للعجب العاجب! أفيؤمن المسلم بأن المسجد الأقصى هو قبلته الأولى وأنه ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وأنه كان في ليلة من الدهر سلم الأرض إلى السماء، ومطار البشرية المتمثلة في محمد، إلى الملكية المتمثلة في الملإ الأعلى، أفيؤمن بذلك كله ثم لا يقدم، لحماية هذا الحرم وجعله آمنًا، مهجته وماله؟
إن فلسطين إرث النبوّة الخاتمة، من النبوّات المتقادمة. نفذ فيه عمر وصية الإسلام، وحرّره أبو عبيدة وأصحابه في الأولين من رق الرومان ورجس الأوثان، وأدّت وقائع اليرموك وأجنادين شهادتها على استحقاقنا لهذا الإرث واقتدارنا على حمايته.
إن أعمال أجدادنا في فلسطين وإرثها وحمايتها هي وصية صريحة لنا بالمحافظة عليها وحجة ناطقة علينا إن نحن قصّرنا فيها أو فرّطنا في جنبها، فيا لتراث نبوي حماه الأسلاف الصالحون، وأضاعه الأخلاف المفرطون.
ما أضاع فلسطين إلا العرب، وقد جاءتهم النذر فتماروا بها، ثم حق الأمر وهم غارون فاندهشوا، ثم وقعت الواقعة فأبلسوا، وعمد خطباؤهم إلى الخطب ينمّقونها وشعراؤهم إلى القصائد يزوقونها، وساستهم إلى الدعاوى يلفّقونها، وعامّتهم إلى الخرافات يصدّقونها، بينما عمد ملوكهم إلى الأمداد يعوقونها وإلى الأهواء ينفقونها، وعمد خصومهم اليهود إلى الغايات يحقّقونها، وإلى العهود يمزقونها، وقضي الأمر وأوسعناهم سبًا وراحوا بالإبل! وبعد أن كنا نقول: أهل فلسطين، أصبحنا نقول ما قالته الجرهمية في مكة: بلى نحن كنا أهلها! ولا أدري كيف تنتصر أمة تقطعت بسوء صنيعها أممًا ثم تدلّت في الذل ثم صارت تطلب الرحمة من معذبها، وتعطي الدية لقاتلها، ثم ارتكست في السقوط حتى أصبح نصف ملوكها صبيانًا وأكثر أدلائها عميانًا.
...
مضت على كلمات القائد البطل أسابيع، وأنا أتحسّس وقعها في النفوس، وأترقب ثمرتها، من صوم المسلمين عن الطعام يومًا في الأسبوع أو هجرهم لبعض الكماليات أسبوعًا