للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أنتم فقد حقّقتم شيئًا منها في أوائل النهضة، وان نهضة تقترن مبادئها بتحقيق بعض الغايات منها لنهضة حقيقة بالتمجيد والاحترام.

افخروا أيها الإخوان الشاهدون ما شئتم بهذه الدار: فقد بنيتم بأيديكم وبمالكم ولوطنكم، ودينكم، ولغتكم، ولأبنائكم، ونرجو أن يوزعهم الله شكران هذه الأيادي ويجنبهم كفرانها. افخروا فقد حزتم الفخار من أطرافه، انكم لم تبنوا دارًا، وإنما بنيتم أجيالًا، وأقمتم دينًا، وكتبتم تاريخًا وثبتم نهضة، ولا منة عليكم إلا لله.

إن النهضات أيها الإخوان، كيفما كان لونها، هي بناء وتعمير، وهذا لعمري هو البناء وهذا هو التعمير، وفي مثل هذا فليتنافس المتنافسون، إن نهضة تبتدئ بمثل ما بدأتم لحرية أن تنتهي إلى الأمد الذي تنتهي إليه النهضات الخالدة.

هذا هو البناء الذي فيه من كل كبد فلذة، وفيه من كل كيس فلس، وفيه من كل عقل رأي، وفيه من كل فكر شعبة من شعب الفكر، وفيه من كل عزيمة أثر من آثار العزائم. أعيذكم أيها الإخوان الكرام، أن تقنعوا في نهضتكم بغاية، أو تقفوا عند حد. إن القناعة إنما تحصل فيما يقيم الجسم لا فيما يقيم الأمة، وان آية الأمة المهيأة للخير أن لا تفرغ من مأثرة، إلا لتبدأ مأثرة، ولا تنفض أيديها من عمل إلا لتضعها في عمل، فكونوا دائمًا مستعدّين، واجعلوا هدفكم دائمًا العظائم لا الصغائر، وقد جرّبتم الإيمان وماذا يصنع، وجربتم التعاون وأنه ينفع، وجرّبتم الثقة بالله فأتت بالعجائب. شدّوا الحيازيم واعتمدوا على الله وثقوا بعونه وما أنفقتم من خير فهو يخلفه وهو خير الرازقين.

الحاجة يا إخواني إلى العلم ملحّة والخصم في القضية لدود، فلا ترهبوا الظالمين ولا تسمعوا للمرجفين ولا تلتفتوا إلى الناعقين، فإن فيهم الحسود وفيهم الحقود وفيهم المسخر وكلهم عدو لكم فأغيظوهم بالعمل الصالح واحذروهم كما تحذرون الشيطان.

أيها الإخوان الكرام:

عهدتكم مستجيبين لدعوة الحق، لبّيتموها يوم كانت دعوة إلى توحيد الله، ويوم كانت تثويبًا بتوحيد الصفوف في سبيله، ويوم كانت ترغيبًا في العلم ويوم كانت أذانًا بتشييد المدارس، ويوم كانت حداء بالأجيال الناشئة إليه، ويوم أصبحت سباقًا إلى التغالي فيه والتعالي به، ويوم أمست مساعي حثيثة في قطع مراحله وصعود درجاته، إلى هذا اليوم الذي استحالت الدعوة فيه إلى بناء العظائم والآثار وتمهيد العقبات في طريق طلّابه.

أيها الإخوان في العلم، اليوم قضيت الحاجة واطمأن المشفقون، فلتهنأ جمعية العلماء بهذا النجاح، وليهنأ المعهد العظيم بهذه التكملة بل بهذا الكمال، ولتهنأ الأمة بهذه

<<  <  ج: ص:  >  >>