العيد في نظرة الإسلام ملتقى عواطف تتقارب، بين طوائف كانت في أمسه تتحارب، ففيه يتنزل الغني المترف ويصعد الفقير المترب فيلتقيان في عالم من عوالم المثال كما يقول الصوفية، هو خير ما ظلّت الإنسانية تنشده فلا تجده، يتجلّى العيد بجلاله على الغني فينسى تألهه بالمال، ويذكر أن كل من حوله إخوانه أولًا وأعوانه ثانيًا فيمحو إساءة عام بإحسان يوم، ويتجلّى على الفقير بجماله فينسى متاعب العام ومكاره العام وتمحو بشاشة العيد من نفسه آثار الحقد والتبرّم والضيق ولا تتفتح أمام عينيه إلا الطريق الواصلة بالله المؤدية إلى الخير وتنهزم في نفسه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء ...
هذه بعض معاني العيد كما نفهمها من الإسلام وكما حقّقها المسلمون الصادقون يوم كانوا، فكان هذا اليوم من العام زاد الرحلة بآثاره ثم بانتظاره للعام كله، وكانت آثاره في النفوس كآثار الحمّام في الأبدان رحضًا للأبدان وبعثًا للنشاط. فأين نحن اليوم من هذه الأعياد، وأين هذه الأعياد منّا؟ وأين آثار العبادة فيها من آثار العادة؟
...
آفة محاسن الإسلام- وما محاسن شيء كله حسن- هذه الظواهر المتقلبة التي يسمّون مجموعها عادة، فهي التي تتسلّط على تلك المحاسن بالطمس والتشويه حتى تمسخ الجمال ثم تنسخ التأثير ثم تفسخ العقد، فلا يبقى للجمال استهواء للنفوس ولا تأثير فيها ولا سلطان عليها، وقد تبدأ بالإلف يعقبه أنس، يعقبه تأثر، يعقبه اعتبار، يعقبه تحكّم، يعقبه تحكيم ثم ينتهي بأسوإ ما ينتهي إليه تعاقب الأطوار، وهو النزول عن حكم الدين في ثبوته والعقل في تقبيحه وتحسينه والفكر في تأنيه ووزنه وقياسه وترتيبه وتقديره لحكم العادة المضطربة المتقلبة، فتصبح هي الحاكمة المقبحة المحسنة المقدرة وهي صاحبة الاعتبار الأول في تقدير الحياة، ثم تتسامى إلى المسلّمات اليقينية فتمسّها بالتشكيك ثم إلى الحقائق الدينية فتبتليها بالتزهيد فيها أو بالتبغيض، وهذا هو شرّ ما وصل إليه المسلمون بالنسبة إلى شعائر دينهم: تهجر بين أقوام فيصبح هجرها عادة تخشى مخالفتها والخروج عنها، ويقيمها أقوام بحكم العادة لا بحكم الدين، وآية ذلك أن فاعلها يأتي بها متبرّمًا متثاقلًا مقدّرًا لعتاب الناس لا لعذاب الله، وهذا التناقض في آثار العادة واقع بين المسلمين مشهود مشهور ...
ونحن لا ننكر أن عوائد الناس تابعة لأحوال الناس رقيًّا وانحطاطًا. فالأمة الراقية ترقى عاداتها في الغالب لأن عاداتها تتشعّب من مقوّماتها، والأمة المنحطة تنحط عاداتها، والمسلمون اليوم في أحط دركات الانحطاط، فلا عجب إذا كانت عاداتهم المتحكّمة فيهم من نوع حالتهم العامة. فمناشئ العادات فيهم هي أخصّ أحوالهم من الجهل والأمية والفقر والذلة والهوان وموت الشعور بالكرامة والشرف، ويقظة الشعور بالمهانة والنقص في النفس