للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الجنس والنفور من القريب والخضوع لحكم الغريب، فقل ما شئت في عادات تتكوّن من هذه الأمشاج الخبيثة، ثم حدث ولا حرج عن الآثار السيئة لتحكّم هذه العادات في حياة المسلمين، ثم ابكهم مع الباكين، حينما تمدّ هذه العادات السخيفة مدّها فتنصبّ على الدين، فتصبح موازينه مأخوذة بالاعتبارات العادية، وأحكامه خاضعة للاعتبارات العادية، وأعماله تابعة للاعتبارات العادية، وواقعنا اليوم هو هذا. فليسلّم العقلاء منا بهذا الدافع وليعالجوا الحالة على ضوئه، وحذار من المكابرة فيه، فشرّ الخلال أن نركب الكبيرة ثم نكابر فيها فنصيرها كبيرتين وتحجبنا المكابرة عن العلاج فنكون من الهالكين.

...

بلونا أمر المسلمين في القرون الأخيرة شهادة للحاضر وتلقّفًا لأخبار الغائب، وبدأنا بأنفسنا فوجدنا أَنَّا ما أوتينا إلا من ضعف سلطان الدين على نفوسنا، ووزننا للأشياء كلها بالميزان العادي، وتحكيمنا للعادات السخيفة التي نبتت فينا في عصور الانحطاط.

هذه شعيرة الحج على جلالتها أصبحت متآثرة بالعوائد، فلا يحفز معظم المسلمين إليها ذلك الحافز الديني ولا تدفعهم إلى تحمّل لأوائها تلك الغاية السامية التي شرع الحج لتحقيقها، وإنما يحفز معظم الناس إليها الافتتان الشائع بالتلقيب، كأنهم يتبرمون بأسمائهم المجرّدة من كثرة التبذّل والاستعمال، فيسعون في إضافة لقب أو وصف كما يتهالك الخليون الفارغون على الألقاب الحكومية الزائفة ويبذلون فيها الجعائل، وإن ذلك لمن هذا، وفي الأمم إذا تداعت للسقوط مشابه من البناء إذا تداعى للانهيار.

وهذه شعيرة الصوم خلت بين المسلمين من روحها التي تزكي وتجلب الروْح والاطمئنان، وأصبحت وظيفة عادية يقوم بها القائمون تأثّرًا بالعادة لا انسياقًا للدين، ويتركها المنتهكون لحرمات الله فيشيع الترك فيكون هو العادة الجارية ويكون الصوم شذوذًا خارقًا للعادة، وكلا الأمرين واقع في الأقطار الإسلامية، فالمحافظة على الصوم تغلب في الجزائر مثلًا اتّباعًا لعادة المجتمع المتشدد مع المفطرين، وهذا المجتمع المتشدّد في الصوم متساهل إلى أقصى الحدود مع تاركي الصلاة، فلو كان للشعائر سلطانها الديني على النفوس لما أفطر في رمضان أحد، ولما ترك الصلاة أحد، ولما كان للعادة دخل في هذا المجال، ولو كان المتشددون مدفوعين بدافع ديني لكان تشدّدهم مع تاركي الصلاة أقوى وأشد وأولى وأوكد.

...

وعمود هذه الكلمة هو الأعياد ولكن ضرورة التمثيل خرجت بنا عن الجدد إلى الحيد بعض الشيء، فلنعد إلى العيد، ولنقل ان المسلمين جرّدوا هذه الأعياد من حليتها الدينية، وعطّلوها من تلك المعاني الروحية الفوّارة التي كانت تفيض على النفوس بالبهجة مع تجهّم

<<  <  ج: ص:  >  >>