للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى لفلسطين بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل المطمور تحت الأقصى، فلنعكس نحن لهم القضية ما دامت الأقدار قد أوقفتنا منهم هذا الموقف، ولنقلها صريحة مجلجلة يفسّرها العمل: لا فائدة لنا في الصخرة والأقصى بدون القدس، ولا فائدة لنا من القدس بدون فلسطين، فالثلاثة واحد وليس الواحد ثلاثة، فإذا قبلنا هذا وقرنّاه بالتصميم وعرف اليهود تصميمنا أقلعوا عن غيّهم وقالوا ما قال أسلافهم: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}، أما إذا علموا عنّا هذه الأنظار القصيرة- وقد علموا وسيعلمون- فإنهم لا يزيدون منّا إلا احتقارًا ولا يزدادون بنا إلا تمرّسًا، وأي عقل يستسيغ التفكير في الترميم والإصلاح لمسجد معرّض لخطر النسف في كل حين وبينه وبين العدو رمية سهم مسترخي الوتر، واذكر حق الذكر أن المجاملة لإخواننا أصحاب هذه الوجوه زادت فوق هذا الحدّ، فوعدهم المسؤولون عن المؤتمر وكنت أحد المصرّحين بهذا الوعد بأنه سيكون لمسجد الصخرة حظ مما يجمعه المؤتمر من المال لإجراء الترميم الضروري الذي يحفظه إلى حين، وتفرّق المؤتمرون على هذا بعد أن قلّدوا طائفة منهم أعمالًا أثقلها جمع المال لفلسطين ...

هذه الكلمة التي اصبحت تقابل بالوجوم والإطراق لكثرة ما لابسها من الشكوك وأحاط بها من التهم. ما كاد المكتب الدائم الذي انتخبه المؤتمر يباشر أعماله واللجنة المالية تنظّم وفودها للطواف على العالم الإسلامي حتى أعلنت الجرائد تشكيل لجنة من أصحابنا أنفسهم أعينهم لجمع الأموال لترميم مسجد الصخرة ... وكان ظهور هذه اللجنة في الميدان مقرونًا بالحزم والإصرار والعجلة وتأييد الحكومة الأردنية برصد المال اللازم لتطوافها وبالتوصيات الرسمية، وكشفت الحقيقة المخبوءة عن نفسها وهي أننا قوم لا نصلح لصالحة، وأننا هازلون على جد الحوادث، لا نأتي في أعمالنا وتصرفاتنا إلا ما يقرّ أعين أعدائنا ويجرئهم علينا ويقلّل معانينا في صدورهم. فبينما فريق منفعل مثلًا يبكي على فلسطين ويحترق حسرة عليها ويقول: أضاع الله من أضاعها، ويوقف أوقاته وجهوده على تحريرها وينعش ولو بالقول آمال البائسين منها، إذا فريق منا يتباكون على مسجد متداع إن لم يُنقض اليوم نُسف غدًا بالمدافع المنصوبة والقنابل المصبوبة، ثم يهتمون به إلى حد أن يجمعوا أموال المسلمين ليرمّموه ويزخرفوه حتى إذا نسف نسفت معه تلك الأموال التي أبت أن تنفق في الدفاع عن فلسطين والقدس وفي طيّه الدافع عن مسجد الصخرة، فتذهب هي ومسجد الصخرة هباء منثورًا نتيجة الطيش وقصر النظر. وكنّا يوم إعلان الخبر عن هذه اللجنة وعملها في القدس في اجتماع رسمي لمكتب المؤتمر، فهالنا الأمر وقصدنا رئيس هذا الوفد في داره في جماعة من أعضاء مكتب المؤتمر، وقلنا له كلمة الحق في وفد الضرار هذا وفي نتائجه وآثاره في عقول الأعداء والأصدقاء. قلنا له إن العالم حكم علينا بالسفه والخطل في نكبة فلسطين، وأقام على حكمه البيّنات والشواهد فما بالنا نقيم له كل يوم دليلًا جديدًا على عدالة هذا الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>