للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علينا، من يقيم للعالم المتفرّج علينا حجة على أن ترميم مسجد الصخرة في هذا الوقت وعلى هذا الحال مصلحة راجحة، ومن يقنعه بأن هذا العمل مقدّم على الدفاع عن فلسطين، ومن يقنعه بأن ترميم مسجد أجدى على فلسطين ومدينة القدس من شراء دبّابات ومدافع؟ وقلنا له ان الناس رجلان: رجل يائس من فلسطين والقدس، فهذا لا يجيز له يأسه أن ينفق فلسًا واحدًا على شيء ميؤوس منه، ورجل راجٍ لتحرير القدس وفلسطين من ورائها فهذا لا يبيح له رجاؤه أن يبدأ بما بعد الأخير، وأن يبدأ بزخرفة الدار قبل تحرير الدار، بل يبدأ بالاستعداد ثم بالإعداد لطرد العدو الغاصب. وللترميم وقت معروف عند جميع الناس وهو انتهاء المعركة واندمال جراحها، وكلا الرجلين لا يفكّر فيما فكّرتم فيه ولم يشغل فكره فيما شغلتم أفكاركم به ولم يضع برنامج الإصلاح والترميم والزخرفة في مكان برنامج الاستعداد والدفاع عمّا يريد أن يصلحه ... فأي الرجلين أنتم؟ أم أنتم قسم ثالث مما لا يعرفه العقلاء، أم أنتم قسم رابع ممن يعرفون بسيماهم وأعمالهم؟ وهم سخنة أعين العرب والمسلمين وقرة أعين اليهود والمستعمرين يعاونونهم بأعمالهم الطائشة أكثر مما تعاونهم انكلترا بالرأي وأمريكا بالمال، وأي عون أعون لليهود على احتلال القدس والنكاية في المسلمين بهدم مقدساتهم ممن يزهد المسلمين في الدفاع، وينزل في نفوسهم الأمن والطمأنينة على القدس ومقدساته، فلا يشك عاقل أن هذا الوفد الصخري سيطوف بالمسلمين طالبًا المال لترميم المسجد الفلاني بالقدس وسيخطب ويتحدث عن ذلك فيكون من آثار الخطب والأحاديث في نفوس المسلمين ان القدس لا خوف عليها ما دامت همة العلماء حملة العمائم منصرفة إلى ترميم المسجد وفي ضمن الترميم إعادته إلى سابق جماله من زخرفة بالفسيفساء والأصباغ، وهذه مظاهر عرس لا مظاهر مأتم. هذا هو الذي يقع في أذهان الناس حين تهدر شقاشق الخطباء بالترهيب من سقوط المسجد والترغيب في إقامته وبماذا؟ بالمال ... ؟ وأين المال ... ؟ هاتوا ... وكم؟ ها هي الخرائط تنطق والأرقام تصدق أنها بعض مئات من آلاف الجنيهات ...

أيها السادة الوافدون، أيها المسلمون السامعون: إن النغمة العبقرية المقدّسة التي يجب أن تتفجّر بها كل حنجرة وتهدر بها كل شقشقة ويتحرّك بها كل لسان هي أن فلسطين ضاعت بالبخل والتخاذل والمطامع السخيفة في المغانم السخيفة، وأن السرائر بليت والدفائن نبشت وصحائف المجرمين نضرت فلم تبق منها خافية، وسينصب ميزان حسابهم في الدنيا قبل الآخرة، ومن أنقذه الموت من حساب الدنيا فحساب الآخرة أشقّ، وأن عذاب الآخرة أشدّ وان استرجاع فلسطين ممكن وميسور بالبذل والاتحاد والتعفّف عن المطامع، فإذا ظاهر الرأي الرأي في المعقول وشاركت اليد اليد في البذل وطهّر المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي من المخذلين والمعذلين ومن الذين يتناولون الأمور الكبيرة بالعقول الصغيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>