للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها، إلا من حيث الجنسية والدين، وإنما كانا يدافعان عنها إن اقتضى الحال، ويجلبان لها الفخر بانتصاراتهما، بعد أن كانا على تلك الحال، أصبحا أميرين مسؤولين عن إنقاذ شعوب إسلامية من الكفر وأوطان إسلامية من احتلال الأجانب.

ومدينة الجزائر ذات مزايا لا تُحصى، وأهم مزاياها توسطها للشمال الإفريقي كله، ووقوعها على البحر، وإشرافها على كل ما يجري فيه، فهي قاعدة حرب وسلم، وإدارة وحكم، وقد تعاون موضعها ووضعها على إكسابها هذه المزايا، وما ذكرنا منها إلا القليل، وقد تفطن الاستعمار الفرنسي فيما تفطن إلى هذه المزايا الطبيعية، وأضاف إليها بعض المزايا الصناعية فاستغلها لمصالحه، وإن هذا لهو الذي يحمله على الاستمساك بها حتى انه ليتمنى خروج روحه قبل الخروج منها، وسيكون العكس فيخرج منها قبل أن تخرج روحه من جسده ليذوق طعم الحسرات التي أذاقنا إياها.

وكان بابا عروج بعد استقراره بالجزائر مطمئنًا إلى الانتصار على أعدائه، وقد زاد عددهم وتمكّنت عداوتهم له بتمكّنه من هذا المركز الحصين، ومطمئنًا إلى ثقة الشعب الجزائري المسلم به، ولكنه كان ممتعضًا من موقف البقية المهينة من سلالة بني زيان أمراء تلمسان، ومن سلالة بني حفص أمراء تونس، فقد كان كل من هذين الأميرين يصانع الأعداء ويماسهم ليحتفظ بلقب الإمارة ولو تحت حمايتهم.

والمتتبع لسيرة القائدين الأخوين حق التتبع لا يستخرج منها أنهما كانا طامحين إلى تأسيس مملكة يستقلان بسلطانها، كما يطمح إلى ذلك من تهيّأت له الأسباب مثلهما، أو يستعملان قوّتهما ضدّ الدولة العثمانية، كما فعل محمد علي حينما ملك مصر، وإنما هما رجلان كانت لهما لذة وذوق في هذا النحو الذي توجّها إليه، وزادت النزعة الإسلامية هذا الذوق فيهما تمكّنًا لأنّ فيه مع اللذة أجر الجهاد وحسن المثوبة عند الله، وإذا كان الجزائريون قد أسندوا إليهما الإمارة عليهم، فإنما ذلك للمصلحة العامة.

وعليه فما كانا يمتعضان لسلوك الأمير الزياني والأمير الحفصي في تمكين الأعداء من الوطن الإسلامي، طمعًا في ملكهما، وإنما كانا يمتعضان لاتخاذ العدو لهما مطية تخفف عنه العناء في الاستيلاء على أوطان المسلمين. ولذلك أقدم بابا عروج على حرب صاحب تلمسان فانتصر عليه واستولى على تلمسان، فتكشف الأمير الزياني عن خزية الدهر واستعان بالإسبان على بابا عروج، واستشهد بابا عروج في أثناء حرب تلمسان سنة ١٥١٨.

وولي الحكم بعده أخوه خير الدّين، فاضطلع بالحكم أقدر ما كان عليه، وبالحرب أقوى ما كان تمرّسًا بها واطلاعًا على أحوال أعدائه فيها. أما اضطلاعه بالحكم فللثقة المتبادلة بينه وبين الجزائريين وسكان الجهات التي انضمت إليهم باختيارها أو تغلّبوا عليها عسكريًا، ولأن

<<  <  ج: ص:  >  >>