للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم أن لا يزلوا، تشابهت السبل على الناس فاتخذوا سبيل الله سبيلًا، وافترق الناس شيعًا فجعلوا محمدًا وحزبه قبيلًا.

...

ولقد أقول على عادة الشعراء- وما أنا بشاعر- لصاحبين من تصوير الخيال أو من تكييف الخَبال، تُمثِّلهما الخواطر تمثيلَ صفاء، وتقيمهما في ذهني تمثالَ وفاء: بكِّرا صاحبي فالنجاح في التبكير، وما على طالب النّجْح بأسبابه من نكير، تنجحا لصاحبكما طِيةً، لا تبلغ إلّا بشد الرحل وتقريب المطية، فقد خُتِمت- كما بُدئت- الأطوار، بدولة الرحال والأكوار، فادفعا بالمهرّية القود، في نحر الوديقة الصيخود، ولا تخشيا لذْع الهواجر، وإن كنتما في شهريْ ناجر، ولا يهولنَّكما بعد الشُّقة، وخيال المشقَّة، ولا الفلَوات يصمّ صداها، ويقصر الطرف عن مداها، ولا السراب يترجرج رقراقُه، ويخدع الظامئ المحرور مُراقه.

سيرا- على اسم الله- في نهار ضاح، وفضاء منساح، ضاحك الأسرة وضّاح، وتخلّلا الأحياءَ فستجدان لاسم من تنتجعانه ذكرًا ذائعًا في الأفواه، وثناءً شائعًا على الشفاه، وأثرًا أزكى نماءً وأبقى بركةً على الأرض من أثر الغمام المنهل، فإذا مسّكما الملال، أو غشّى مطيّكما الكلال فاحدوا بذكراه ينبعث النشاط، وينتشر الاغتباط، وتغْنيا بها عن حمل الزاد، وملء المزاد، وتأمنا غوْل الغوائل، من أفناء دراج ونائل (١).

سيرا- روحي فداؤكما من رضيعيْ همة، وسليليْ منجبة من هذه الأمّة- حتى تدفعا في مسي خامس، له يوم الترحل خامس، إلى الوادي الذي طرّز جوانبه آذار، وخلع عليه الصانع البديع، من حَلْي الترصيع، وحلل التفويف والتوشيع، ما تاه به على الأودية فخلع العذار.

وأتِيا العُدوة الدنيا فثمَّ المنتجعَ والمرَاد، وثمّ المطلب والمراد، وثمّ محلة الصدق التي لا يصدر عنها الوُرّاد، وثمّ مناخ المطايا على حُلّال الحق، وجيرة الصدق، وعشراء الخلود، الذين محا الموت ما بينهم من حدود، اهتفا فيها بسكان المقابر عني:

ما للمقابر لا تُجيب الداعي ... أوَ ما استقلَّت بالسميع الواعي


١) أولاد دراج، مجموعة قبائل ترجع أصولها إلى هلال بن عامر جد القبائل العربية التي أغارت على شمال أفريقيا، فخربوا، ولكنهم عربوا، ومواطن أولاد دراج إلى الآن هي ما بين المسيلة (المحمدية) وطُبْنة من مقاطعة قسنطينة، وأولاد نائل مثلهم ولكنهم أكثر منهم عددًا، ومواطنهم تتصل بمواطن إخوانهم أولاد دراج ولكنها تتسع في مقاطعة الجزائر، ولا تزال المخايل والسمات العربية ظاهرة في هذه القبائل.

<<  <  ج: ص:  >  >>