للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصّا القبر الذي تضمّن الواعيَ السميع، والواحدَ الذي بذّ الجميع، فقولا له عني:

يا قبر، عزَّ على دفينك الصبر، وتعاصى كسرُ القلوب الحزينة على من فيك أن يُقابَل بالجبر، ورجع الجدال، إلى الاعتدال، بين القائلين بالاختيار والقائلين بالجبر.

يا قبر، ما أقدر الله أن يطويَ عَلمًا ملأ الدنيا في شبر!

يا قبر، ما عهدنا قبلك رمسًا، وارَى شمسًا، ولا مساحة، تكال بأصابع الراحة، ثم تلتهم فلكًا دائرًا، وتحبس كوكبًا سائرًا.

يا قبر، قد فصل بيننا وبينك خطّ التواء، لا خطّ استواء، فالقريب منك والبعيد على السواء.

يا قبر، أتدري من حويت؟ وعلى أي الجواهر احتويت؟ إنك احتويت على أمّة، في رُمّة، وعلى عالم في واحد.

يا قبر، أيدري من خطّك، وقارب شطّك، أيّ بحر ستضُم حافتاك؟ وأيّ معدن ستزن كفتاك؟ وأيّ ضرغامة غاب ستحتبل كفتاك؟ وأيّ شيخ كشيخك وأيّ فتى كفتاك؟ فويح الحافرين ماذا أودعوا فيك حين أودعوا؟ وويحَ المشيّعين من ذا شيّعوا إليك يوم شيّعوا؟ ومن ذا ودّعوا منك إذ ودّعوا؟ إنهم لا يدرون أنهم أودعوا بنَّاء أجيال في حفرة، وودّعوا عامر أعمال بقفرة، وشيّعوا خدن أسفار، وطليعة استنفار، إلى آخر سفرة.

يا قبر، لا نستسقي لك كل وطفاء سكوب، تهمي على تربتك الزكية وتصوب، ولا نستدعي لترويض ثراك المثقلات الدوالح، والغوادي والروائح، ولا نحذو في الدعاء لك حذو الشريف الرضي، فنستعير للنبت جنينًا ترضعه المراضع، من السحب الهوامع، تلك أودية هامت فيها أخيلة الشعراء، فنبذتهم بالعراء، وزاغوا بها عن أدب الإسلام ومنهاجه، وراغوا عن طينته ومزاجه. بل تلك بقية من بقايا الجهل، ما أنت ولا صاحبك لها بأهل.

...

قولا لصاحب القبر عني: يا ساكنَ الضريح، نجوى نضو طليح، صادرة عن جفن قريح، وخافق بين الضلوع جريح، يتأوبه في كل لحظة خيالك وذكراك، فيحملان إليه على أجنحة الخيال من مسراك، اللهب والريح، وتؤدّي عنهما شؤونه المنسربة، وشجونه الملتهبة، وعليهما شهادة التجريح.

إن من تركت وراك، لم يحمد الكرى فهل حمدت كراك؟ وهيهات، ما عان كمستريح!

يا ساكن الضريح، أأكني؟ أم أنت كعهدي بك تؤثر التصريح؟ إن بُعدك، أتعب من بَعدك. لقد كانوا يلوذون من حياتك الحية بكنف حماية، ويستذرون من كفاءتك للمهمات

<<  <  ج: ص:  >  >>