للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه هي معاملة الإسلام للدينين حيثما جمعتهم أرض، يوم كانت له السيادة والسلطان، ولو كنا نكتب دراسة لموضوع أو فصلًا من كتاب لأقمنا الشواهد وضربنا الأمثال، ولكننا نكتب مقالًا لجريدة؛ فحسبنا أن نلمح ونشير، وأن نوازن ونقارن بين معاملتين في وطن محدود، وأن نضع الميزان للجزاء الذي لقيه الإسلام من دينين مُجاورين له في دار.

جاء الاستعمار الدنس الجزائر يحمل:

السيف والصليب، ذاك للتمكن، وهذا للتمكين، فملك الأرض واستعبد الرقاب، وفرض الجزى، وسخر العقول والأبدان؛ ولو وقف عند حدود الدنيويات لقلنا: تلك هي طبيعة الاستعمار الجائع تدفعه الشهوات إلى اللذات، فيجري إلى مداها ويقف، وتدفعه الأنانية إلى الحيوانية فيلتقم ولا ينتقم، ولكنه كان استعمارًا دينيًّا مسيحيًّا عاريًا؛ وقف للإسلام بالمرصاد من أول يوم، وانتهك حرماته من أول يوم؛ فابتز أمواله الموقوفة بالقهر، وتصرف في معابده بالتحويل والهدم، وتحكم في الباقي منها بالاحتكار والاستبداد، وتدخل في شعائره بالتضييق والتشديد، كل ذلك بروح مسيحية رومانية تشع بالحقد وتفور بالانتقام، ولم يكتف بذلك حتى احتضن اليهودية، وحمَى أهلها، وأشركهم في السيادة، ليؤلبها مع المسيحية على حرب الإسلام، ويجندها في الكتائب المغيرة عليه.

وقد تبدلت الأوضاع بعد ذلك في فرنسا، وتطورت الأفكار، وترقت المعارف، واستوسقت الحضارة، وضاقت النفوس بالكنيسة، فزوتها عن الحكم ونزعت من يدها المقاليد، ولكن ذلك كله كان مقصورًا على فرنسا، ومحدودًا بحدودها، أما هنا في الجزائر ... وحيث يوجد الإسلام وكتابه ولسانه، فإن المسيحية معدودة من عُدد الاستعمار وأسلحته لحرب الإسلام وقرآنه ولغته، لا يختلف في ذلك رأي، ولا يضيق به صدر، ولا يسمع فيه قول مجرح ولا منتقد، ولا تُقبل فيه دعوى أنه مناف لمبادئ الجمهورية أو الإنسانية أو اللادينية، وما أحمق من يقيس الجزائر بفرنسا! ... أيها الأحمق، إن الثوب مفصل على قدر لابسه، ولست بذاك، أنت من هنا لا من هناك ...

...

إن الجزائر اليوم ميدان صراع، لا أقول بين الأديان الثلاثة كل على انفراده، وإنما أقول بين الإسلام وحده من جهة، وبين المسيحية واليهودية مجتمعتين من جهة أخرى.

أما المسيحية فهي حاملة اللواء، وقائدة الرعيل، ومن ورائها الاستعمار بخيله ورجله، وجيوشه، ومدافعه، وقوانينه، وأمواله، وجرائده، يحمي حماها، وينافح عنها، والحكومة برجالها، وأدواتها، ووسائلها، تمدها بالعون، وتبذل لها المساعدة والتنشيط، وتمهد لها

<<  <  ج: ص:  >  >>