للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومما ينبني على هذا الاستنباط قول من قال: إن في الماء الربا؛ لأنه إن كان طعاما؛ كان قوتا لبقائه واقتيات البدن به؛ فوجب أن يجري فيه الربا. وهو الصحيح من المذهب المالكي كما قال ابن العربي (١)، وهو أحد الوجهين عند الشافعية (٢).

قال ابن العربي: ولمَ لا يجري فيه الربا وهو أجل الأقوات؟ وإنما هان؛ لعموم وجوده، وإنما عمم الله تعالى وجوده بفضله؛ لعظيم الحاجة إليه، ومن شرفه على سائر الأطعمة أنه مهيأ مخلوق على صفة لا صنعة لأحد فيها لا أولا ولا آخرا (٣).

وخالف ابن الفرس بقوله: ولا حجة في الآية؛ لأن الطعام فيها بمعنى الذوق، وإثبات الطعم له، أو نفيه عنه لا يثبت له أنه طعام (٤).

وكلا القولين معتبر له دليله. واستنباط الشوكاني بأن الماء طعام صحيح، ويؤيده دليلان:

أولهما: قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)} [المائدة: ٩٣]؛ فإن الآية نزلت في الذين ماتوا وهم يشربون الخمر قبل تحريمها (٥)؛ فدل على أن الطعام يشمل الأكل والشرب معا.


(١) انظر: أحكام القرآن لابن العربي ج ١/ ص ٢٦٣.
(٢) في المجموع شرح المهذب: وأما الماء إذا قلنا بالمذهب: أنه مملوك يصح بيعه، فهل يحرم فيه الربا؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما، أصحهما: يحرم. هكذا صححه إمام الحرمين، والرافعي، والجمهور، وهو الصواب، ولا يغتر بتصحيح صاحب الانتصار الإباحة، فإنه شاذ ضعيف. فإن قيل: لو كان مطعوما لم يجز الاستنجاء به، قلنا: ثبتت الأحاديث في جواز الاستنجاء به؛ فصار مستثنى. انظر: ج ٩/ ص ٣٨٣.
(٣) انظر: أحكام القرآن ج ١/ ص ٢٦٣.
(٤) انظر: أحكام القرآن ج ١/ ص ٣٨٢.
(٥) انظر: أسباب نزول القرآن للواحدي ص ٣٦١. وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: "كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة؛ فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا فنادى، فقال أبو طلحة: أخرج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت فقلت: هذا منادي ينادي ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال: فجرت في سكك المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} ". أخرجه البخاري في كتاب: المظالم، باب: صب الخمر في الطريق، رقم: ٢٣٣٢، ج ٢/ ص ٨٦٩، وفي كتاب: التفسير، باب: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}، رقم: ٤٣٤٤، ج ٤/ ص ١٦٨٨. وأخرجه مسلم في كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر، وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر، رقم: ١٩٨٠، ج ٣/ ص ١٥٧٠.

<<  <   >  >>