للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أنما أباح الأخذ من مهر الزوجة على شرط رضاها؛ فدل بمفهوم المخالفة-مفهوم الشرط- حرمة أخذ شيء من مهر الزوجة دون رضاها؛ لانتفاء الشرط (١).

قال الشافعي: (فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت به نفسا، ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط أيضا القنوجي. وأشار إليه المراغي، وابن عثيمين، والهرري. (٣).

والآية دالة على ضيق المسلك في هذا الباب ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقال: {فَإِنْ طِبْنَ} (٤) وآثر لفظ طبن في النظم الكريم دون فإن وهبن لكم شيئا منه عن طيب نفس؛ إيذانا بأن العمدة في الأمر طيب النفس، وتجافيها عن الموهوب بالمرة، حيث جعل ذلك مبتدأ وركنا من الكلام لا فضلة كما في التركيب المفروض (٥). وطيبة النفس بالعطاء أرق من الرضا به؛ لأن الرضا قد يتصور مع التورط، أما طيبة النفس فلا تتصور إلا بالسماح (٦).

قال بعض العلماء: إن وهبت ثم طلبت بعد الهبة علم أنها لم تطب عنه نفسا.

وعن الشعبي (٧) أن امرأة جاءت مع زوجها شريحا في عطية أعطتها إياه، وهي تطلب الرجوع، فقال شريح (٨): رد عليها، فقال الرجل: أليس قد قال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}، فقال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه.


(١) انظر: منهج الاستنباط من القرآن الكريم ص ٣٢٤.
(٢) أحكام القرآن ج ١/ ص ٢١٦.
(٣) انظر: فتح البيان ج ٣/ ص ٢٢، وتفسير المراغي ج ٤/ ص ١٨٤، وتفسير سورة النساء ج ١/ ص ٣٧، وحدائق الروح والريحان ج ٥/ ٣٩٠،
(٤) انظر: الكشاف ج ١/ ص ٥٠٢، والتفسير الكبير ج ٩/ ص ١٤٨، وإرشاد العقل السليم ج ٢/ ص ١٤٤.
(٥) انظر: روح المعاني ج ٤/ ص ١٩٩، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٥/ ص ٨٦.
(٦) انظر: زهرة التفاسير ج ٣/ ص ١٥٨٨.
(٧) أبو عمرو عامر بن شراحيل الشَّعْبي الكوفى، علامة التابعين، أدرك خمسمائة من الصحابة -رضي الله عنهم-، كان إماما حافظا فقيها متفننا ثبتا متقنا، وكان يقول ما كتبت سوداء في بيضاء، ولي قضاء الكوفة، مات بعد المائة. انظر: تذكرة الحفاظ ج ١/ ص ٧٩، وتقريب التهذيب ج ١/ ص ٢٨٧، وطبقات الحفاظ ص ٤٠.
(٨) هو الفقيه أبو أمية شريح بن الحارث، يعد في كبار التابعين، واختلف في صحبته، توفي سنة ثمان وسبعين وهو ابن مائة سنة، وولى القضاء ستين سنة من زمن عمر إلى زمن عبد الملك بن مروان. انظر: الاستيعاب ج ٢/ ص ٧٠١، والإصابة ج ٣/ ص ٣٣٤، و سير أعلام النبلاء ج ٤/ ص ١٠٠.

<<  <   >  >>