للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وروي عنه أيضا: أقيلها فيما وهبت ولا أقيله؛ لأنهن يخدعن.

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كتب إلى قضاته: إن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. (١).

قال القاسمي: (ما رآه شريح وروي عن عمر هو الفقه الصحيح والاستنباط البديع؛ إذ الآية دلت على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط، حيث بنى الشرط على طيب النفس، ولم يقل فإن وهبن لكم إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة، وبرجوعها يظهر عدم طيب نفسها) (٢).

ورأى آخرون بأن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها، ولا رجوع لها فيه. قال ابن العربي: (اتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها، ولا رجوع لها فيه، إلا أن شريحا رأى الرجوع لها فيه، واحتج بقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} وإذا قامت طالبة له لم تطب به نفسا، وهذا باطل لأنها قد طابت وقد أكل، فلا كلام لها إذ ليس المراد صورة الأكل وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال وهذا بين) (٣).

كما استنبط الشوكاني من الآية: عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها؛ لنقصان عقولهن، وضعف إدراكهن-لعله قصد أن عواطفهن تغلب على عقولهن- وسرعة انخداعهن، وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال {طِبْنَ} فدل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس، لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس؛ فدل بمفهوم الموافقة على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها إذ لابد من طيبة النفس. فيكون لغير المهر حكم المهر في التمليك، فلا يحل إلا بطيبة النفس. وكأن الشوكاني -رحمه الله- رأى أن في الآية تنبيها للرجال بأن يتحققوا مما يهبه لهم النساء عموما، فلا يحل لهم منه شيئا إلا إن طابت أنفسهن بذلك.

ومعنى هذا الاستنباط صحيح يؤيده عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه" (٤).


(١) انظر: الكشاف ج ١/ ص ٥٠٢، والتفسير الكبير ج ٩/ ص ١٤٨، والبحر المحيط ج ٣/ ص ٢٣٥، ومحاسن التأويل ج ٣/ ص ٢٧.
(٢) محاسن التأويل ج ٣/ ص ٢٧.
(٣) أحكام القرآن ج ١/ ص ٣٤٩.
(٤) رواه أحمد في مسنده ج ٥/ ص ٧٢، والبيهقي في شعب الإيمان، باب: في قبض اليد عن الأموال المحرمة، رقم: ٥٤٩٢، ج ٤/ ص ٣٨٧.

<<  <   >  >>