للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر سعة ملكه، وإحاطته بكل شيء عقب ذكر اتخاذه إبراهيم -عليه السلام- خليلا؛ فدل ذلك بدلالة الربط بين الآيتين على أنه سبحانه لم يتخذ إبراهيم -عليه السلام- خليلا لاحتياجه إليه في أمر من الأمور كما تكون خلة الآدميين، وكيف يعقل ذلك وله ملك السماوات والأرض، وما كان كذلك فكيف يعقل أن يكون محتاجا إلى البشر الضعيف، وإنما اتخذه خليلا بمحض الفضل، والإحسان، والكرم (١) فهي خلة تشريف منه تعالى لإبراهيم -عليه السلام- مع بقائه على العبودية (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن جرير الطبري، والرازي، والقرطبي، والنسفي، وأبو حيان، وابن عادل الحنبلي، والبقاعي، والآلوسي، والقنوجي، والدوسري. (٣).

وهذا الاستنباط على أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} متصل بقوله تعالى- قبله-: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ … خَلِيلًا (١٢٥)}.

ويحتمل أن يكون متصلا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤)} [النساء: ١٢٤] على أنه كالتعليل لوجوب العمل (٤)، ففيه الترغيب في طاعة الله والانقطاع إليه (٥).

وكلتا المناسبتين ذكرهما أبو حيان، وغيره (٦). فقال أبو حيان: (لما تقدم ذكر عامل السوء، وعامل الصالحات أخبر بعظيم ملكه. وملكه بجميع ما في السموات وما في الأرض، والعالم مملوك له، وعلى المملوك طاعة مالكه، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة لما ذكرناه، ولما تقدم ذكر الخلة، فذكر أنه مع الخلة عبد الله، وأن الخلة ليست لاحتياج، وإنما هي خلة تشريف منه تعالى لإبراهيم -عليه السلام- مع بقائه على العبودية).


(١) انظر: التفسير الكبير ج ١١/ ص ٤٨.
(٢) انظر: البحر المحيط ج ٣/ ص ٥٠٨.
(٣) انظر: جامع البيان ج ٧/ ص ٥٣٠، والتفسير الكبير ج ١١/ ص ٤٨، والجامع لأحكام القرآن ج ٥/ ص ٣٨٣، ومدارك التنزيل ج ١/ ص ٣٦٨، والبحر المحيط ج ٣/ ص ٥٠٨، واللباب في علوم الكتاب ج ٧/ ص ٤١، ونظم الدرر ج ٥/ ص ٤١٤، وروح المعاني ج ٥/ ص ١٥٦، وفتح البيان ج ٣/ ص ٢٥١، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٦/ ص ٥٣٥، ٥٣٦.
(٤) انظر: روح المعاني ج ٥/ ص ١٥٦.
(٥) انظر: الكشاف ج ١/ ص ٦٠٣، والمحرر الوجيز ص ٤٨٥.
(٦) انظر: التفسير الكبير ج ١١/ ص ٤٨، واللباب في علوم الكتاب ج ٧/ ص ٤١، وروح المعاني ج ٥/ ص ١٥٦، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٦/ ص ٥٣٥، ٥٣٦.

<<  <   >  >>