للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكلها يصح، فقد ذكر الرازي هذين الوجهين وغيرهما بقوله: في تعلق هذه الآية بما قبلها، وفيه وجوه:

الأول: أن يكون المعنى أنه لم يتخذ الله إبراهيم خليلا لاحتياجه إليه في أمر من الأمور كما تكون خلة الآدميين، وكيف يعقل ذلك وله ملك السماوات والأرض، وما كان كذلك فكيف يعقل أن يكون محتاجا إلى البشر الضعيف.

والثاني: أنه تعالى ذكر من أول السورة إلى هذا الموضع أنواعا كثيرة من الأمر والنهي والوعد والوعيد فبين هاهنا أنه مالك المحدثات وموجد الكائنات والممكنات ومن كان كذلك كان ملكا مطاعا فوجب على كل عاقل أن يخضع لتكاليفه وأن ينقاد لأمره ونهيه.

الثالث: أنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد، ولا يمكن الوفاء بهما إلا عند حصول أمرين:

أحدهما: القدرة التامة.

والثاني: العلم التام حتى لا يشتبه عليه المطيع والعاصي، والمحسن والمسيء.

فدل على كمال قدرته بقوله: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}، وعلى كمال علمه بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (١٢٦)}.

الرابع: أنه سبحانه لما وصف إبراهيم بأنه خليله بين أنه مع هذه الخلة عبد له، وذلك لأنه له ما في السماوات وما في الأرض، ويجري هذا مجرى قوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)} [مريم: ٩٣]، ومجرى قوله: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢)} [النساء: ١٧٢]. فإذا كان كل من في السماوات والأرض ملكه في تسخيره ونفاذ إلاهيته فكيف يعقل أن يقال: إن اتخاذ الله إبراهيم -عليه السلام- خليلا يخرجه عن عبودية الله (١).

ثم ختم ذلك بقوله: (وهذه الوجوه كلها حسنة متناسبة) (٢).


(١) انظر: التفسير الكبير ج ١١/ ص ٤٨.
(٢) المصدر السابق ج ١١/ ص ٤٨.

<<  <   >  >>