للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢ - قال الشوكاني: - عند قوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١]- (وفي هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله، وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدي بقوله، ويستن بسنته من علماء هذه الأمة، مع مخالفته لما جاءت به النصوص، وقامت به حجج الله وبراهينه، ونطقت به كتبه وأنبياؤه؛ هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله؛ للقطع بأنهم لم يعبدوهم، بل أطاعوهم، وحرموا ما حرموا، وحللوا ما حللوا، وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة) (١).

الثاني: لا يلام الشوكاني في تشنيعه على التقليد؛ إذ نشأ في بيئة زيدية، ودرس وتفقه على علمائها، لكنه ترك التمذهب، واعتمد اعتمادا مباشرا على الكتاب والسنة (٢). وكان في زمانه جماعة من المقلدة الجامدين على التعصب في الأصول والفروع، وكان الشوكاني إماما مجتهدا، ينبذ التقليد، ويحاربه محاربة شديدة؛ لذا كان شديد الإنكار على التقليد، محاربا له بلسانه، وبنانه. ولم تزل المصاولة والمقاولة بينه وبينهم دائرة، ولم يزالوا ينددون عليه في المباحث من غير حجة؛ لذا جعل كلامه في السيل الجرار في الحقيقة موجها إليهم في التنفير عن التقليد المذموم، وإيقاظهم إلى النظر في الدليل؛ لأنه يرى تحريم التقليد (٣).

فكأن ذمه للتقليد دعوة للبحث عن الحق، وتحذير من التعصب في التقليد، وتنبيه لما يفضي إليه من نزاع بين أفراد الأمة.

قال الشوكاني: كان الجاهل في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم يسأل العالم عن الحكم الشرعي الثابت في كتاب الله أو بسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فيفتيه به، ويرويه له لفظا أو معنى؛ فيعمل بذلك من باب العمل بالرواية لا بالرأي، وهذا هو الهدى الذي درج عليه خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. حتى استدرج الشيطان بذريعة التقليد من استدرج، ولم يكتف بذلك حتى سول لهم الاقتصار على تقليد فرد من أفراد العلماء، وعدم جواز تقليد غيره، ثم توسع في ذلك، فخيل لكل طائفة أن الحق مقصور على ما قاله إمامها، وما عداه باطل، ثم أوقع في قلوبهم العداوة والبغضاء حتى إنك تجد من العداوة بين أهل المذاهب المختلفة ما لم تجده بين أهل الملل المختلفة (٤).


(١) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٥٣. وانظر مثله في: فتح القدير ج ١/ ص ١٣٥، وج ٢/ ص ٨٣، وج ٢/ ص ١٩٨، وج ٣/ ص ١٠٣، وج ٤/ ص ٥٥٢.
(٢) مستفاد من: اختيارات الشوكاني في التفسير من خلال كتابه فتح القدير عرضا ودراسة، من أول سورة الكهف إلى نهاية سورة الناس، -رسالة دكتوراه- لـ. د. فايز حبيب الترجمي، ص ٢٠.
(٣) انظر: أبجد العلوم ج ٣/ ص ٢٠٣.
(٤) انظر: القول المفيد ص ٣٨، ٣٩.

<<  <   >  >>