للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أنه يجوز الاجتهاد لنبينا -صلى الله عليه وسلم-، ولغيره من الأنبياء، وإليه ذهب الجمهور.

واحتجوا بأن الله سبحانه خاطب نبيه -صلى الله عليه وسلم- كما خاطب عباده، وضرب له الأمثال، وأمره بالتدبر والاعتبار، وهو أجل المتفكرين في آيات الله، وأعظم المعتبرين بها.

وأما قوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} فالمراد به القرآن; لأنهم قالوا: إنما يعلمه بشر، ولو سلم لم يدل على نفي اجتهاده; لأنه -صلى الله عليه وسلم- إذا كان متعبدا بالاجتهاد بالوحي; لم يكن نطقا عن الهوى، بل عن الوحي، وإذا جاز لغيره من الأمة أن يجتهد بالإجماع، مع كونه معرضا للخطأ، فلأن يجوز لمن هو معصوم عن الخطأ بالأولى.

وأيضا قد وقع ذلك كثيرا منه -صلى الله عليه وسلم-، ومن غيره من الأنبياء.

فأما منه فمثل قوله للعباس: "إلا الإذخر" (١)، ولم ينتظر الوحي في هذا، ولا في كثير مما سئل عنه.

وأما من غيره فمثل قصة داود، وسليمان -عليه السلام- (٢).


(١) وتمام الحديث: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، قال: إلا الإذخر". أخرجه البخاري في كتاب: الجزية والموادعة، باب: إثم الغادر للبر والفاجر، رقم: ٣٠١٧، ج ٣/ ص ١١٦٤. وأخرجه مسلم في كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، رقم: ١٣٥٣، ج ٢/ ص ٩٨٦. والاذخر: نبت معروف طيب الرائحة. وأما قوله: فإنه لقينهم بفتح القاف: هو الحداد والصائغ، ومعناه: يحتاج إليه القين في وقود النار، ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات، ويحتاج إليه في سقوف البيوت يجعل فوق الخشب. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم ج ٩/ ص ١٢٧.
(٢) قال ابن قدامة: لأن داود وسليمان حكما بالاجتهاد بدليل قوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (٧٩)} [الأنبياء: ٧٩]، ولو حكما بالنص لم يخص سليمان بالتفهيم. روضة الناظر ج ٢/ ص ٤٥٥.

<<  <   >  >>