للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن إخوة يوسف -عليه السلام- تآمروا على قتله؛ فدل ذلك بدلالة تأمل قصص الأنبياء على أنهم ليسوا بأنبياء.

ويتنبه إلى أن الشوكاني نص في هذا الموضع على نفي النبوة عنهم، لكن المتتبع لكلامه في مواضع أخرى من السورة يظهر له أن الشوكاني ذكر ما يقيد هذا النفي بوقت أن آذوا يوسف -عليه السلام- تحديدا، وجواز أن يكونوا أنبياء بعد توبتهم.

فعند قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا … أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)} [يوسف: ٦] قال: ({وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} وهم قرابته من إخوته وأولاده ومن بعدهم، وذلك أن الله سبحانه أعطاهم النبوة كما قاله جماعة من المفسرين. ولا يبعد أن يكون إشارة إلى ما حصل لهم بعد دخولهم مصر من النعم التي من جملتها كون الملك فيهم مع كونهم أنبياء) (١).

وعند قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)} [يوسف: ١٥]-: ({وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} أي: إلى يوسف تيسيرا له وتأنيسا لوحشته، مع كونه صغيرا اجتمع على إنزال الضرر به عشرة رجال من إخوته بقلوب غليظة فقد نزعت عنها الرحمة، وسلبت منها الرأفة؛ فإن الطبع البشري دع عنك الدين يتجاوز عن ذنب الصغير ويغتفره لضعفه عن الدفع، وعجزه عن أيسر شيء يراد منه، فكيف بصغير لا ذنب له، بل كيف بصغير هو أخ وله ولهم أب مثل يعقوب، فلقد أبعد من قال: إنهم كانوا أنبياء في ذلك الوقت فما هكذا عمل الأنبياء ولا فعل الصالحين) (٢).

وعند قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧)} [يوسف: ٧٧] قال: (فما هذه الكذبة بأول كذباتهم، وقد قدمنا ما يدفع قول من قال إنهم قد كانوا أنبياء عند صدور هذه الأمور منهم) (٣).


(١) فتح القدير ج ٣/ ص ٦.
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ١٠.
(٣) المصدر السابق ج ٣/ ص ٤٥.

<<  <   >  >>