للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكأنه أراد نفي النبوة عنهم حين آذوا يوسف -عليه السلام-، ولا يلزم من ذلك نفي النبوة عنهم عنده مطلقا. وأدل دليل على ذلك قوله- عند قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١)} [يوسف: ٩١]-: ({قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} أي: لقد اختارك وفضلك علينا بما خصك به من صفات الكمال، وهذا اعتراف منهم بفضله وعظيم قدره، ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا أنبياء فإن درج الأنبياء متفاوتة) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، والقنوجي. (٢).

وفي إثبات نبوة إخوة يوسف -عليه السلام- أقوال:

الأول: أنهم كانوا أنبياء.

قال ابن زيد (٣) -في قوله: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا … وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (٤)} [يوسف: ٤]-: أبواه وإخوته، قال: فبغاه إخوته وكانوا أنبياء، فقالوا: ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه حين بلغهم (٤).

وهذا القول تعقبه ابن عطية -عند قوله تعالى: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا … أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)} [يوسف: ٥ - ٦]- فقال: (تقتضي هذه الآية أن يعقوب -عليه السلام- كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن يشعل بذلك غل صدورهم فيعملوا الحيلة على هلاكه، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف الذي يأتي ذكره يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت. ووقع في كتاب الطبري لابن زيد أنهم كانوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي، وعن عقوق الآباء، وتعريض مؤمن للهلاك، والتوافر في قتله) (٥).


(١) المصدر السابق ج ٣/ ص ٥٢.
(٢) انظر: المحرر الوجيز ص ٩٧٩، وفتح البيان ج ٦/ ص ٢٩٦.
(٣) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم، المدني، روى عن أبيه، وغيره، أخرج له الترمذي، وابن ماجة، له: كتاب التفسير، والناسخ والمنسوخ، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة للهجرة. انظر: التاريخ الصغير، ج ٢/ ص ٢٢٧ - ٢٢٩. و"طبقات المفسرين" للداودي ج ١/ ص ٢٦٥، ٢٦٦.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان ج ١٢/ ص ١٣، وابن أبي حاتم في تفسيره ج ٧/ ص ٢١٠١.
(٥) المحرر الوجيز ص ٩٧٩.

<<  <   >  >>