للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال القرطبي- قبلها-: (ومن فعلهم بيوسف يدل على أنهم كانوا غير أنبياء في ذلك الوقت ووقع في كتاب الطبري لابن زيد أنهم كانوا أنبياء وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي وعن عقوق الآباء وتعريض مؤمن للهلاك والتآمر في قتله ولا التفات لقول من قال إنهم كانوا أنبياء ولا يستحيل في العقل زلة نبي إلا أن هذه الزلة قد جمعت أنواعا من الكبائر وقد أجمع المسلمون على عصمتهم منها وإنما اختلفوا في الصغائر على ما تقدم) (١).

فكأن مراده نفي النبوة عنهم وقت إيذائهم ليوسف -عليه السلام-.

واستنباط الشوكاني -والله أعلم- أرجح، فهم ما كانوا أنبياء لكن الله منَّ عليهم بالنبوة بعد توبتهم، وما فعلوه قبل النبوة لا يقدح في نبوتهم.

قال ابن تيمية: قد اتفق المسلمون على أنهم -أي الأنبياء- معصومون فيما يبلغونه عن الله، فلا يجوز أن يقرهم على الخطأ في شيء مما يبلغونه عنه، وبهذا يحصل المقصود من البعثة. وأما وجوب كونه قبل أن يبعث نبيا لا يخطئ، أو لا يذنب فليس في النبوة ما يستلزم هذا. وقول القائل: لو لم يكن كذلك لم تحصل ثقة فيما يبلغونه عن الله، كذب صريح فإن من آمن وتاب حتى ظهر فضله وصلاحه ونبَّأه الله بعد ذلك، كما نبَّأ إخوة يوسف، ونبَّأ لوطا وشعيبا وغيرهما، وأيده الله تعالى بما يدل على نبوته فإنه يوثق فيما يبلغه كما يوثق بمن لم يفعل ذلك. وقد تكون الثقة به أعظم إذا كان بعد الإيمان والتوبة قد صار أفضل من غيره، والله تعالى قد أخبر أنه يبدل السيئات بالحسنات للتائب، ومعلوم أن الصحابة -رضي الله عنهم- من عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كانوا من خيار الخلق، وكانوا أفضل من أولادهم الذين ولدوا بعد الإسلام (٢).

ويدل على ترجيح هذا القول أمور:

أولها: ورود أثر عن سفيان بن عيينة (٣) يشير إلى هذا أنهم كانوا أنبياء، فإنه لما سئل: هل حرمت الصدقة على أحد الأنبياء قبل النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: ألم تسمع قوله: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)} [يوسف: ٨٨] (٤).


(١) الجامع لأحكام القرآن ج ٩/ ص ١١٠.
(٢) انظر: منهاج السنة النبوية ج ٢/ ص ٣٩٦، ٣٩٧.
(٣) أبو محمد، سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي، المحدث، المفسر، الفقيه، قال الإمام الشافعي: لولا مالك وسفيان ابن عيينه لذهب علم الحجاز، سكن مكة وتوفي بها سنة ثمان وتسعين ومائة للهجرة. انظر: تهذيب التهذيب ج ٤/ ص ١٠٤ وما بعدها، وسير أعلام النبلاء ج ٨/ ص ٤٦٢ وما بعدها.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان ج ١٢/ ص ٣٢٥. وانظر: الدر المنثور ج ٤/ ص ٥٧٦.

<<  <   >  >>