للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فجعل الوحي إلى يوسف -عليه السلام- في الجب بمعنى الإلهام. أي: أوحى إليه وحيا إلهاميا تطييبا لقلبه، وتثبيتا لنفسه.

أما ابن العربي فقد ذهب إلى أنه يجوز على الله سبحانه بعث الصبي إلا أنه لم يقع، فذكر عند قوله تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)} [مريم: ١٢] أن أجل مراتب الحُكْم، والحكمة النبوة، ثم ذكر الأوجه في المراد بالحكم فقال: (الأول: الوحي. والثاني: النبوة. والثالث: المعرفة والعمل بها. وهذا كله محتمل يفتقر إلى تحقيق; فأما من قال: إنه الوحي فجائز أن يوحي الله إلى الصغير، ويكاشفه بملائكته وأمره، وتكون هذه المكاشفة نبوة غير مهموزة رفعة ومهموزة إخبارا، ويجوز أن يرسله إلى الخلق كامل العقل والعلم مؤيدا بالمعجزة، ولكن لم يرد بذلك خبر، ولا كان فيمن تقدم. وقول عيسى {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)} [مريم: ٣٠] إخبار عما وجب له حصوله، لا عما حصل بعد) (١).

وعلل الآلوسي المنع من نبوة الصغير بأن النفوس في الأغلب تأنف عن اتباع الصغير وإن كبر فضلا، كالرقيق والأنثى (٢).

وقد أشار ابن عادل الحنبلي إلى هذا الخلاف - مرجحا ما ذهب إليه الشوكاني- فقال: (في المراد بقوله: ({وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} قولان:

الأول: المراد منه الوحي والنبوة والرسالة، وهو قول أكثر المحققين، ثم اختلف هؤلاء في أنه عليه الصلاة والسلام هل كان في ذلك الوقت بالغاً أو كان صبياً؟ قال بعضهم: كان بالغاً، وكان ابن سبع عشرة سنة. وقال آخرون: كان صغيراً إلا أن الله تعالى أكمل عقله وجعله صالحاً لقبول الوحي والنبوة كما في حق عيسى عليه الصلاة والسلام حين قالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)} (٣) [مريم: من الآية ٢٩] {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)}.

والقول الثاني: أن المراد بهذا الوحي: الإلهام، كقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى}، وقوله: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}.


(١) أحكام القرآن ج ٣/ ص ١٧٧.
(٢) انظر: روح المعاني ج ٢٦/ ص ١٩.
(٣) وتمامها: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ … نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ … فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩)}.

<<  <   >  >>