للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأول أولى؛ لأنه الظاهر من الوحي.

فإن قيل: كيف يجعله نبياً في ذلك الوقت وليس هناك أحد يبلغه الرسالة؟ فالجواب: لا يمتنع أن يشرفه الله تعالى بالوحي ويأمره بتبليغ الرسالة بعد أوقات، ويكون فائدة تقديم الوحي تأنيسه، وزوال الغم والوحشة عن قلبه، والفائدة في أخفاء ذلك الوحي عن إخوته: أنهم لو عرفوه فربما ازداد حسدهم فكانوا يقصدون قتله) (١).

وقوله: (لا يمتنع أن يشرفه الله تعالى بالوحي، ويأمره بتبليغ الرسالة بعد أوقات) يعني به قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢)} [يوسف: ٢٢] أي: ما كان رسولا قبل بلوغ الأشد، ثم إنه صار رسولا وقته (٢).

ويجوز أن يكون معنى {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢)} أنه أوتي النبوة صبيا، ولما بلغ أشده زاده الله فهما وعلما كما قال القرطبي (٣).

كما يجوز أن يكون المعنى: ولما بلغ يوسف أشده، أي: كمال قوته المعنوية والحسية، وصلح لأن يتحمل الأحمال الثقيلة من النبوة والرسالة جعلناه نبيا رسولا، وعالما ربانيا (٤). وهذا على قول من يرى أن الوحي في الجب إلهام.

والأظهر-والله تعالى أعلم- أن الله تعالى آتى يوسف -عليه السلام- النبوة وهو صغير؛ فإن أكثر المفسرين (٥) على أن الله آتى يحيى -عليه السلام- النبوة صغيرا؛ لقوله تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)} [مريم: ١٢]، والأظهر أن معنى صبيا أي: لم يبلغ (٦).

فإذا جاز ذلك في حق يحيى -عليه السلام-؛ فإنه يجوز كذلك في حق يوسف -عليه السلام-.

قال ابن حجر: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)} ولا بُعد في أن يؤتى النبوة في ذلك السن فقد قال في قصة يحيى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)}، ولا اختصاص لذلك بيحيى، فقد قال عيسى وهو في المهد: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)} (٧).


(١) اللباب في علوم الكتاب ج ١١/ ص ٣٦، ٣٧.
(٢) انظر: التفسير الكبير ج ١٨/ ص ٨٩.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٩/ ص ١٣٩.
(٤) انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٣٩٥.
(٥) قال السمعاني: وقوله: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢)} أي: النبوة هذا قول أكثر المفسرين). تفسير القرآن العزيز ج ٣/ ص ٢٨٢، وانظر: بحر العلوم ج ٢/ ص ٣٧٠، وأنوار التنزيل ج ٤/ ص ٨.
(٦) انظر: أضواء البيان ج ٢/ ص ٤٥٤.
(٧) انظر: فتح الباري ج ٩/ ص ٥٣٣٩.

<<  <   >  >>