للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذ الراجح في مسألة النبوة والرسالة هو ما نبه إليه ابن تيمية من أن ثمة زيادة في التكليف والإبلاغ يختص بها الرسول، وهو ما عبر عنه بالإرسال إلى القوم المخالفين حيث قال: (النبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول) (١).

فإن قيل: إن الله سمى الجن رجالا في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ … رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)} [الجن: ٦]، وجعلهم منذرين في قوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)} [الأحقاف: ٢٩]؛ فالجواب قول ابن القيم: (فالإنذار أعم من الرسالة، والأعم لا يستلزم الأخص قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (٢) [التوبة: من الآية ١٢٢] فهؤلاء نذر وليسوا برسل، قال غير واحد من السلف: الرسل من الإنس، وأما الجن ففيهم النذر، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} فهذا يدل على أنه لم يرسل جنيا، ولا امرأة، ولا بدويا. وأما تسميته تعالى الجن رجالا في قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)}، فلم يطلق عليهم الرجال، بل هي تسمية مقيدة بقوله: {مِنَ الْجِنِّ}، فهم رجال من الجن، ولا يستلزم ذلك دخولهم في الرجال عند الإطلاق، كما تقول: رجال من حجارة، ورجال من خشب) (٣).


(١) المصدر السابق ص ١٨٤.
(٢) وتمامها: {وَمَا كَانَ … الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ … فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)}.
(٣) طريق الهجرتين ص ٦١٥، ٦١٦.

<<  <   >  >>