للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي، والقنوجي. (١). وأشار إليه البيضاوي، والشنقيطي. (٢).

وخالف آخرون في نفي النبوة عن النساء، فقالوا: لا حجة في الآية على منع النبوة، وإنما هي خاصة بالرسالة فقط.

وممن خالف القرطبي، والآلوسي.

فاستدل القرطبي بحديث: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (٣)، فقال: وكمال كل شيء بحسبه، والكمال المطلق إنما هو لله تعالى خاصة، ولا شك أن أكمل نوع الإنسان الأنبياء، ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين. وإذا تقرر هذا فقد قيل: إن الكمال المذكور في الحديث يعني به النبوة؛ فيلزم عليه أن تكون مريم عليها السلام، وآسية نبيتين، وقد قيل بذلك. والصحيح أن مريم نبية؛ لأن الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحي إلى سائر النبيين. وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها دلالة واضحة بل على صديقيتها وفضلها (٤).

وذكر الآلوسي أن ذكر مريم مع الأنبياء في سورتهم قرينة قوية لإثبات نبوتها. وأن الاستدلال بالآية على نفي نبوة النساء لا يصح؛ لأن المذكور فيها الإرسال وهو أخص من الاستنباء على الصحيح المشهور، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم (٥).

والصواب نفي النبوة عن النساء.

قال ابن كثير: وزعم بعضهم أن سارة امرأة الخليل، وأم موسى، ومريم بنت عمران أم عيسى نبيات، واحتجوا بأن الملائكة بشرت سارة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، وبقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} … الآية، وبأن الملك جاء إلى مريم فبشرها بعيسى -عليه السلام-، وبقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [آل عمران: ٤٢ - ٤٣]، وهذا القدر حاصل لهن ولكن لا يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك، فإن أراد القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف فهذا لا شك فيه، ويبقى الكلام معه في أن هذا هل يكفي في الانتظام في سلك النبوة بمجرده أم لا؟


(١) انظر: التفسير الكبير ج ١٨/ ص ١٨٠، وفتح البيان ج ٦/ ص ٤١٦.
(٢) ذكره البيضاوي في آل عمران: ٤٢. انظر: أنوار التنزيل ج ٢/ ص ٣٨. وذكره الشنقيطي في سورة النحل: ٤٣. انظر: أضواء البيان ج ٢/ ص ١٤٩.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب: فضائل الصحابة -رضي الله عنه-، باب: فضل عائشة رضي الله عنها، رقم: ٣٥٥٨، ج ٣/ ص ١٣٧٤. ومسلم في كتاب: فضائل الصحابة -رضي الله عنه-، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، رقم: ٢٤٣١، ج ٤/ ص ١٨٨٦.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٤/ ص ٨٤.
(٥) انظر: روح المعاني ج ٣/ ص ١٥٤.

<<  <   >  >>