للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه ليس في النساء نبية، وإنما فيهن صديقات كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)} (١) [المائدة: من الآية ٧٥]، فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام فهي صديقة بنص القرآن (٢).

فتبين من قول ابن كثير أن وصف بعض النساء بالكمال والاصطفاء ليس فيه ما يثبت لهن النبوة؛ لأن الله تعالى أثبت الاصطفاء لبعض خلقه دون أن يكون في ذلك دلالة على إثبات النبوة، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)} [فاطر: ٣٢].

فليس فيما استدل به القائلون بنبوة النساء مستند قوي يعتمد عليه في إثبات ذلك، فأما ما ذكره القرطبي من الاستدلال بالوحي إليهن فإنه لا يكفي في الدلالة على نبوتهن؛ لأنه وحي بمعناه العام.

وقد فسر قتادة الإيحاء في حق أم موسى -عليه السلام- بقوله: (وحياً جاءها من الله، فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة أن أرضعي موسى) (٣).

وقال ابن تيمية: وليس كل ما أوحي إليه الوحي العام يكون نبيا؛ فإنه قد يوحي إلى غير الناس قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨)} [النحل: ٦٨]، وقال تعالى: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} (٤) [فصلت: من الآية ١٢]، وقال تعالى عن يوسف وهو صغير: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥) وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (٥) [القصص: ٧]. (٦).


(١) وتمامها: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)}.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٤/ ص ٥٤٤.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان ج ١٨/ ص ١٥٦، وابن أبي حاتم في تفسيره ج ٩/ ص ٢٩٤١. وانظر: الدر المنثور ج ٣/ ص ٢٣٠.
(٤) وتمامها: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢)}
(٥) وتمامها: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)}.
(٦) انظر: النبوات ص ١٧٨.

<<  <   >  >>