للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول بكروية الأرض هو الصواب. ولا يشكل عليه كون الناظر إلى الأرض يراها مبسوطة.

قال الرازي: (فإن قيل: هل يدل قوله: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} على أنها بسيطة؛ قلنا نعم؛ لأن الأرض بتقدير كونها كرة فهي كرة في غاية العظمة، والكرة العظيمة يكون كل قطعة صغيرة منها إذا نظر إليها فإنها ترى كالسطح المستوي، وإذا كان كذلك زال ما ذكروه من الإشكال، والدليل عليه قوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧)} [النبأ: ٧] سماها أوتادا مع أنه قد يحصل عليها سطوح عظيمة مستوية فكذا ههنا) (١).

وقال الآلوسي: (والظاهر أن المراد بسطها وتوسعتها ليحصل بها الانتفاع لمن حلها، ولا يلزم من ذلك نفي كرويتها؛ لما أن الكرة العظيمة لعظمها ترى كالسطح المستوي) (٢).

وقال أيضا- عند قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ … زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧)} [ق: ٧]-: ({وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} بسطناها، وهو لا ينافي كريتها التامة أو الناقصة من جهة القطبين لمكان العظم) (٣).

وقال السعدي - عند قوله تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠)} [الغاشية: ٢٠]-: ({وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠)} أي: مدت مدا واسعا، وسهلت غاية التسهيل؛ ليستقر العباد على ظهرها، ويتمكنوا من حرثها، وغراسها، والبنيان فيها، وسلوك طرقها. واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها، كما دل على ذلك النقل، والعقل، والحس، والمشاهدة كما هو مذكور معروف عند كثير من الناس خصوصا في هذه الأزمنة التي وقف فيها الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقربة للبعيد، فإن التسطيح إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدا الذي لو سطح لم يبق له استدارة تذكر، وأما جسم الأرض الذي هو كبير جدا وواسع، فيكون كرويا مسطحا، ولا يتنافى الأمران كما يعرف ذلك أرباب الخبرة) (٤).

كما ذكر الآلوسي دلالات على كرويتها فقال: واستدل بالآية على أنها مسطحة غير كرية. وذهب الأكثرون إلى أنها كرية، أما في الطول فلأن البلاد المتوافقة في العرض أو التي لا عرض لها كلما كانت أقرب إلى الغرب كان طلوع الشمس وسائر الكواكب عليها متأخرا بنسبة واحدة، ولا يعقل ذلك إلا في الكرة. وأما في العرض فلأن السالك في الشمال كلما أوغل فيه ازداد القطب ارتفاعا عليه بحسب إيغاله فيه على نسبة واحدة، بحيث يراه قريبا من سمت رأسه، وكذلك تظهر له الكواكب الشمالية، وتخفى عنه الكواكب الجنوبية، والسالك الواغل في الجنوب بالعكس من ذلك، وأما فيما بينهما فلتركب الأمرين. وأورد عليهم الاختلاف المشاهد في سطحها؛ فأجابوا عنه: بأن ذلك لا يقدح في أصل الكرية الحسية المعلومة بما ذكر، فإن نسبة ارتفاع أعظم الجبال على ما استقر عليه استقراؤهم، وانتهت إليه آراؤهم إلى قطر الأرض كنسبة سبع عرض شعيرة إلى ذراع. والحق الذي لا ينكره إلا جاهل أو متجاهل أن ما ظهر منها كرة حسا؛ ولذلك كرية الفلك، تختلف أوقات الصلاة في البلاد، فقد يكون الزوال ببلد ولا يكون ببلد آخر، وهكذا الطلوع والغروب وغير ذلك، وكرية ما عدا ما ذكر لا يعلمها إلا الله تعالى، نعم إنها لعظم جرمها الظاهر يشاهد كل قطعة وقطر منها كأنه مسطح، وهكذا كل دائرة عظيمة، وبذلك يعلم أنه لا تنافي بين المد وكونها كروية. وزعم ابن عطية أن ظاهر الشريعة يقتضي أنها مسطحة، وكأنه يقول بذلك وهو خلاف مايقتضيه الدليل (٥).


(١) التفسير الكبير ج ١٩/ ص ١٣٥.
(٢) روح المعاني ج ١٤/ ص ٢٨.
(٣) روح المعاني ج ٢٦/ ص ١٧٦.
(٤) تيسير الكريم الرحمن ص ٩٢٢، ٩٢٣.
(٥) انظر: روح المعاني ج ١٣/ ص ٩٠، ٩١.

<<  <   >  >>