للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى في نكاح المرأة خاطب غيرها فقال: {وَأَنْكِحُوا} ولم يخاطبها؛ فدل خطابه للولي على أن المرأة لا تُنْكِح نفسها، بل لابد من ولي لها يُنكِحها.

قال القصاب: (حجة واضحة في أن ليس للبكر ولا للثيب أن تتزوج بغير أمر وليها؛ إذ لو كان لها ذلك ما أمر غيرها بإنكاحها) (١).

وقال البيضاوي: والخطاب للأولياء والسادة، وفيه إشعار بأن المرأة والعبد لا يستبدان به؛ إذ لو استبدا لما وجب على الولي والمولى (٢).

وهو قول الشافعي، ومالك، وأكثر أهل العلم عليه.

قال السيوطي: (فاستدل به الشافعي على اعتبار الولي لأن الخطاب له) (٣). و قال ابن جزي: (وفي الآية دليل على عدم استقلال النساء بالإنكاح، واشتراط الولاية فيه، وهو مذهب مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة) (٤).

وممن قال بهذا الاستنباط: القصاب-كما تقدم-، وإلكيا، والبغوي، وابن عطية، وابن الفرس، والقرطبي، والبيضاوي-كما تقدم-، وابن جزي، والقنوجي. (٥).

وهذا الاستنباط على أن الخطاب للأولياء. وهو الأرجح، قال ابن العربي: (في المراد بالخطاب بقوله: {وَأَنْكِحُوا} فقيل: هم الأزواج، وقيل: هم الأولياء من قريب أو سيد. والصحيح أنهم الأولياء؛ لأنه قال: أنكحوا بالهمزة، ولو أراد الأزواج لقال ذلك بغير همزة، وكانت الألف للوصل، وإن كان بالهمزة في الأزواج له وجه، فالظاهر أولى، فلا يعدل إلى غيره إلا بدليل) (٦).

وقال ابن الفرس: (والمخاطبون بهذه الآية في إنكاح الأيامى هم الأولياء. وقيل: كل أحد كان وليا أو مأذونا له. والأول أظهر؛ لأن المقصود من الخطاب ترك العضل والمنع، وذلك يقتضي الاختصاص بالأولياء والحاكم، فإن هؤلاء الذين يجب عليهم التزويج دون الأجانب. وعلى القولين ففي الآية دليل على عدم استقلال المرأة بالإنكاح. واستدل بعضهم (٧) على ذلك أيضا بما يعقب قوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} في قوله: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} قالوا: فكما لم يصح للعبد والأمة ولاية كذلك الأيامى المعطوف عليهما ذلك القول) (٨).


(١) نكت القرآن ج ٣/ ص ٤٤٤.
(٢) انظر: أنوار التنزيل ج ٤/ ص ١٨٤، ١٨٥.
(٣) الإكليل ج ٣/ ص ١٠٢٩.
(٤) التسهيل لعلوم التنزيل ج ٣/ ص ٦٦.
(٥) انظر: نكت القرآن ج ٣/ ص ٤٤٤، وأحكام القرآن ج ٤/ ص ٣١٣، ومعالم التنزيل ج ٣/ ص ٣٤١، والمحرر الوجيز ص ١٣٥٩، وأحكام القرآن ج ٣/ ص ٣٧٣، والجامع لأحكام القرآن ج ١٢/ ص ٢١٨، وأنوار التنزيل ج ٤/ ص ١٨٤، ١٨٥، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٣/ ص ٦٦، وفتح البيان ج ٩/ ص ٢١٣.
(٦) أحكام القرآن ج ٣/ ص ٢٧٧.
(٧) هم أصحاب الشافعي كما قال إلكيا في أحكام القرآن ج ٤/ ص ٣١٣.
(٨) أحكام القرآن ج ٣/ ص ٣٧٣.

<<  <   >  >>