للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به الصيد بطريق التسبُّب أو المباشرة.

ومن احتيالهم: أن الله سبحانه وتعالى لمَّا حرّم عليهم الشحوم تأوّلوا أن المراد نفس إدخاله الفَمَ، وأن الشحم هو الجامد دون المُذاب، فجَمَلوه فباعوه، وأكلوا ثَمَنه، وقالوا: ما أكلنا الشحمَ، ولم ينظروا في أن الله تعالى إذا حَرّم الانتفاع بشيء فلا فرق بين الانتفاع بعينه أو ببدله؛ إذ البدل يسدّ مسدّه، فلا فرق بين حال جُموده وذَوْبِهِ، فلو كان ثمنه حلالًا لم يكن في تحريمه كبير أمر.

وهذا هو:

الوجه الحادي عشر: وهو ما روى ابن عباس، قال: بلغ عمرَ رضي الله عنه أن فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا! ألم يعلَم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قاتل الله اليهودَ! حُرِّمت عليهم الشحومُ، فجملوها فباعوها». متفق عليه (١).

قال الخطابي (٢): «جملوها معناه: أذابوها حتى تصير وَدَكًا، فيزول عنها اسم الشحم، يقال: جَملتُ الشحمَ، وأجملته، واجتملته؛ والجميل: الشحم المذاب».

وعن جابر بن عبد الله، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله حَرّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام»، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحومَ الميتة، فإنه يُطلَى بها السُّفُن، ويُدهنُ بها الجلود، ويَستَصْبِحُ بها الناس؟ فقال: «لا هو حرام»، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: «قاتل الله اليهود! إن الله


(١) أخرجه البخاري (٢٢٢٣)، ومسلم (١٥٨٢).
(٢) معالم السنن (٥/ ١٢٨)، وانظر أعلام الحديث (٢/ ١١٠٠).