للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما حرّم عليهم شحومها جَمَلوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه». رواه البخاري، وأصله متفق عليه (١).

قال الإمام أحمد ــ في رواية صالح وأبي الحارث ــ في أصحاب الحيل: «عمدوا إلى السّنَن، فاحتالوا في نَقْضِها، فالشيء الذي قيل: إنه حرام احتالوا فيه حتى أحلُّوه»، ثم احتج بهذا الحديث، وحديث: «لعن اللهُ المحلِّل والمحلَّل له» (٢).

قال الخطابي (٣) وقد ذكر حديث الشحوم: في هذا الحديث بطلان كل حيلة يُحتالُ بها للتوصِّل إلى المحرَّم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئاته، وتبديل اسمه.

وقد مُثِّلت حيلة أصحاب الشحوم بمن قيل له: لا تَقْرَبْ مال اليتيم، فباعه، وأخذ ثمنه فأكله، وقال: لم آكل نفس مال اليتيم، أو اشترى شيئًا في ذمَّته، ونَقَده، وقال: هذا قد ملكته، وصار عِوضه دَينًا في ذمتي؛ فإنما أكلت ما هو ملكي باطنًا وظاهرًا.

ولو لا أن الله سبحانه رحم هذه الأمة بأن نَبِيَّها -صلى الله عليه وسلم- نبَّههم على ما لُعنت به اليهود، وكان السابقون منها فُقهاء أتقياء، علموا مقصود الشارع، فاستقرّت الشريعة بتحريم المحرمات من الدم، والميتة، ولحم الخنزير، وغيرها، وإن تبدّلت صورها، وبتحريم أثمانها= لطرَّق الشيطان لأهل الحِيَل ما طرَّق لهم في الأثمان ونحوها؛ إذ البابان باب واحد على ما لا يخفى.


(١) البخاري (٢٢٣٦)، ومسلم (١٥٨١).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) معالم السنن (٥/ ١٢٩).