الوجه الثاني عشر: أن باب الحيل المحرمة مَدارُهُ على تسمية الشيء بغير اسمه، على تغيير صورته مع بقاء حقيقته، فمداره على تغيير الاسم مع بقاء المسمَّى، وتغيير الصورة مع بقاء الحقيقة؛ فإن المحلل مثلًا غَيّر اسم التحليل إلى اسم النكاح، واسم المحلِّل إلى الزوج، وغيّر مُسمّى التحليل بأن جعل صورته صورة النكاح، والحقيقةُ حقيقة التحليل.
ومعلوم قطعًا أن لَعْنَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ذلك إنما هو لما فيه من الفساد العظيم، الذي اللعنةُ من بعض عقوبته، وهذا الفساد لم يَزُلْ بتغيير الاسم والصورة مع بقاء الحقيقة، ولا بتقديم الشرط من صُلب العقد إلى ما قبله؛ فإن المفسدة تابعة للحقيقة، لا للاسم، ولا لمجرد الصورة.
وكذلك المفسدة العظيمة التي اشتمل عليها الربا، لا تزول بتغيير اسمه من الربا إلى المعاملة، ولا بتغيير صورته من صورة إلى صورة، والحقيقة معلومة متفق عليها بينهما قبل العقد، يعلمها مِنْ قلوبهما عالم السرائر. فقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد، ثم غَيّرا اسمه إلى المعاملة، وصورتَه إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة، وإنما هو حيلة ومَكْرٌ، ومخادعة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وأيّ فرق بين هذا وبين ما فعلته اليهود من استحلال ما حَرّم الله عليهم من الشحوم بتغيير اسمه وصورته؟ فإنهم أذابوه حتى صار وَدَكًا، وباعوه، وأكلوا ثمنه، وقالوا: إنما أكلنا الثمن، لا المثمَّن، فلم نأكل شحمًا.
وكذلك من استحلّ الخمر باسم النبيذ، كما في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «لَيَشْرَبَنّ ناسٌ من أمتي الخمر، يُسمونها بغير اسمها، يُعزَف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات،