قال:[قال مجاهد: يبدءون فيكم مرجئة، ثم يكونون قدرية، ثم يصيرون مجوساً].
وهذا في الحقيقة ترتيب وتدرج طبيعي لأهل البدع؛ لأنهم يبدءون بالرجاء في الله عز وجل، وهذا الرجاء يحملهم على ترك العمل، ومنهج أهل السنة والجماعة أن الخوف والرجاء جناحا المؤمن إلى الله عز وجل، فالخوف يحمله على مزيد الطاعة، والرجاء يحمله على عدم الإياس من رحمة الله عز وجل، فهما صنوان لكل عبد يريد أن يسير إلى الله سيراً حثيثاً، وأما إذا غلب جانب الخشية على إنسان وخاصة عند مماته فإنه يلقى الله تعالى آيساً من رحمته، وهذه كبيرة من الكبائر، وإذا غلب على إنسان في حال حياته جانب الرجاء على الخوف فإنه يقع في التسويف وترك العمل، ومعظم الأمة الآن مفرطة عاصية تاركة لفرائض الإيمان والإسلام، إذا ذكرتهم بالله أو بالصلاة أو بالزكاة أو بالحج وهم قادرون على ذلك قالوا: رحمة ربك واسعة، وإن ربك غفور رحيم، فهم يرجون الله تعالى بغير عمل، وفي حقيقة الأمر ليس هذا من باب الرجاء المشروع، وإنما الرجاء أن تعمل ثم ترجو الله تعالى أن يتقبل منك ذلك، كما كان حال النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان أعبد الناس وأتقاهم وأعلمهم وأخشاهم لربه، ومع ذلك لم يفرط قط عليه الصلاة والسلام في عمل سواء كان مفروضاً أو واجباً أو مستحباً أو مندوباً، فقد كان يقوم الليل كله حتى تتفطر قدماه، ويقول:(أفلا أكون عبداً شكوراً)؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام هو القدوة والأسوة والمثل الأعلى الحسن، وهو الذي ما فرط في عمل قط مهما دق وجل، فينبغي إذا كنا فعلاً صادقين في زعمنا أو قولنا بأننا مؤمنون ومسلمون ومتبعون أن نضع النبي عليه الصلاة والسلام نصب أعيننا في المثل والقدوة.
فقوله: يبدءون فيكم مرجئة، يعني: يبدءون أول بدعتهم بالإرجاء، وهو تأخير العمل عن مسمى الإيمان وترك العمل بالكلية استناداً واتكالاً على رحمة الله عز وجل، وأنها وسعت كل شيء.
ثم يكونون قدرية، يعني: ينتقل من الإرجاء إلى القدر، ثم ينتقل من القدرية إلى المجوسية؛ لأن بين القدرية والمجوسية شبه عظيم جداً مثل الشبه بين النصرانية والإرجاء.