[بداية الكلام في القدر وإنكار السلف ذلك]
[وعن الحسن بن محمد قال: أول من تكلم في القدر حين احترقت الكعبة -والكعبة احترقت سنة (٦٤) هـ- قال قائل: كان هذا من قضاء الله أن احترقت الكعبة، فقال آخر: ما كان هذا من قضاء الله.
وعن حازم قال: سمعت حوشب يقول لـ عمرو بن عبيد في حبوة الحبس: ما هذا الذي أحدثت، قد نبت قلوب إخوانك عنك؟ -أي: جعلت قلوب الناس تنفر عنك وتبغضك- قال: الحسن انطلق حتى نسأله عن هذا الأمر، قال: كسرها الله إذاً.
يعني: رجليه.
وعن عاصم الأحول قال: كان قتادة يقصر بـ عمرو بن عبيد، فجثوت على ركبتي، قلت: يا أبا الخطاب! وإذا الفقهاء ينال بعضها من بعض؟ قال: يا أحول! رجل ابتدع بدعة؛ تذكر بدعته خير من أن يكف عنها.
قال: فوجدت على قتادة فوضعت رأسي، فإذا بـ عمرو يحك آية من القرآن.
كان عمرو بن عبيد من أوتاد العلم، فلما وضع في السلاسل والأغلال قال: ارحمه؛ رجل فقيه، فقال قتادة: هذا لا يرحم؛ لأنه ابتدع بدعة وإن كان عالماً، فذهب عاصم يراقب عمرو بن عبيد في السجن، قال: فإني رأيته يحك آية في القرآن، هذه الآية: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩]-لأن هذه الآية حجة عليه- قال: عاصم: فقلت: ما تصنع أنت؟ قال: إني أعيدها.
قلت: أعدها، قال: لا أستطيع].
فصدق قتادة حينئذ، فالمبتدع وإن كان عالماً يستحق القيد ويستحق التأديب، خاصة إذا كانت بدعة خطيرة وفي أصول الإيمان.
قال: [وعن ابن عون قال: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان، حتى نشأ هاهنا حقير يقال له: سنسويه البقال، قال: فكان أول من تكلم في القدر.
قال حماد: ما ظنكم برجل يقول له ابن عون: هو حقير.
وعن يونس بن عبيد قال: أدركت البصرة وما بها قدري إلا سنسويه، ومعبد الجهني، وآخر ملعون في بني عوافة.
وعن معاوية بن عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير أبو عبد الله قال: أخبرني أبي قال: كنا جلوساً عند هشام بن عروة فذكروا له إبراهيم بن أبي يحيى المديني.
قالوا: يا أبا المنذر! إنه حافظ الحديث، فقال: مولى أسلم؟ قالوا: نعم، إلا أنه قدري، فقال هشام بن عروة: لعن الله ديناً أكبر منه، وفي رواية: لعن الله ديناً أنا أكبر منه].
يعني: لعنه الله.
فإن هذا دين لم يأت به الشرع.
[وعن محمد بن شعيب قال: سمعت الأوزاعي يقول: أول من نطق بالقدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن، كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان -أي: غيلان الدمشقي - عن معبد].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.