للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلاف أهل السنة في النفس هل هي الذات أم صفة للذات]

أهل السنة والجماعة يثبتون النفس لله تعالى، ولكن بعض أهل السنة قالوا: النفس هي الذات، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كان هذا يعد تأويلاً، إما أن تثبت أن الله تبارك وتعالى ذات له نفس، وإما أن تثبت أن النفس هي بذاتها ذات المولى تبارك وتعالى، فيكون الله تبارك وتعالى ذات بلا نفس، أو نفس الله عز وجل هي ذاته المتصفة بالصفات ومنها صفة النفس.

يعني: أمامك تأويلات ثلاثة: إما أن الله تعالى ذات بلا نفس.

وهذا كلام باطل، وهو كلام المتأولة.

وإما أن الله تعالى له نفس زائدة على الذات.

بمعنى أنها صفة لازمة للذات، فيكون المولى تبارك وتعالى ذاته متصفة بالصفات، وهذا لا بأس به، بل هو أرجح الأقوال في القضية.

والذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية: أن النفس هي ذات الإله تبارك وتعالى.

وهنا إشكال: ماذا يقصد ابن تيمية بهذا الترجيح؟ هل يقصد أن النفس هي ذات الإله الذي لم يتصف بأن له نفس، أو أنها ذات الإله المتصف بالصفات ولها النفس؟ الظن أن ابن تيمية عليه رحمة الله مال إلى تفسير النفس بأنها الذات المتصفة بالصفات ومنها صفة النفس، وهذا من باب إحسان الظن بكبير وشيخ أهل السنة في زمانه.

أما أهل السنة فإنهم يثبتون صفة النفس لله تعالى، ونفسه هي ذاته عز وجل، وهي ثابتة بالكتاب والسنة، فقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨]، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦]، {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤].

والدليل من السنة: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي).

وحديث عائشة رضي الله عنها: (وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).

وحديث أبي هريرة: (فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن نفس الله: (ونفسه هي ذاته المقدسة).

والذي يترجح لدي أنه تأويل.

وقال أيضاً في الفتاوى: (ويراد بنفس الشيء ذاته وعينه).

يعني: تقول: نفس محمد.

لو أنك قلت: أنا كلمت محمد، أقول لك: هل كلمته نفسه؟ تقول: نعم.

كلمته نفسه.

يعني: تقصد ذاته.

ففي لغة العرب النفس والذات بمعنى واحد، وهذا الذي حدا بكثير من أهل العلم من السلف أن يقولوا: إن نفس الله تعالى هي ذاته، كما يقال: رأيت زيداً نفسه وعينه، وقد قال الله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}، وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}.

وقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}.

وفي الحديث أنه قال لأم المؤمنين: (لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزن بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته).

وفي الحديث القدسي: (وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي).

فهذه المواضع المراد بها عند جمهور العلماء: الله نفسه.

يعني: يفسرون النفس بأنها ذات الإله، ولكني كنت قد نبهت على قاعدة عند سلفنا رضي الله تعالى عنهم: (أنهم يثبتون الصفة ولازمها)، ولكن كلماتهم أحياناً تطلق على الصفة ويراد بها الصفة واللازم، وأحياناً يطلقون اللازم ويريدون إيجاد الصفة قبل اللازم، فأظن أن شيخ الإسلام ابن تيمية إنما عنى بأن النفس هي الذات -أي: المتصفة بالصفات- ومنها صفة النفس.

قال: (فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء: ((اللَّهُ نَفْسَهُ)) التي هي ذاته المتصفة بصفاته).

جمهور العلماء يطلقون النفس على الذات، ويقولون: النفس والذات بمعنى واحد، ولكنها النفس التي هي ذاته المتصفة بصفاته، وليس المراد بها ذاتاً منفكة عن الصفات.

يعني: ذات الله تبارك وتعالى متصفة بصفات لازمة لهذه الذات لا تنفك عنه، وهي المراد بها صفة للذات.

وهذا الكلام هو الذي أتحرج منه أشد التحرج.

قال: (ولا المراد بها صفة للذات، بل هي صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، هذه الطائفة هي التي على الحق المبين؛ أن النفس صفة لله تبارك وتعالى، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة)، لا.

أي: أن ذات الله تبارك وتعالى غير متصفة بأي صفة، مجردة عن الصفات وكلا القولين خطأ، بل أقول: إن أحد هذين القولين صواب والثاني خطأ.

قال الإمام البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه: باب: قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}.

وقوله جل ذكره: ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)).

وقال القاسمي في التفسير: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أي: ذاته المقدسة.

يذهب في هذا المذهب إلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية.