وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة، وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، وهذا صحيح: أن الله تعالى شاء الإيمان من الكافر، ولكن الله تعالى كذلك شاء منه الكفر، ومعنى أن الله تعالى شاء من خلقه الإيمان: أنه أمر الخلق جميعاً بالإيمان، فقد شاءه منهم، ولكن الله تعالى أذن لبعض عباده بوقوع الكفر منهم، وشاءه منهم، وهذه مشيئة قدرية كونية لا شرعية دينية، وبيت القصيد هو التفصيل بين الاثنين، فالإيمان من مشيئة الله القدرية الكونية؛ لأن الإيمان وقع في الكون بقدره، والكفر وقع بمشيئته الكونية القدرية، بمعنى أن الله أذن بوقوعه في الكون وقدره.
فالمعتزلة والقدرية قالوا: إن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، فقالوا هذا القول لئلا يقولوا: شاء الكفر من الكافر وعذبه عليه! ولكن صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار! فإنهم هربوا من أشياء فوقعوا فيما هو شر منها، فإنه يلزم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله، فإن الله قد شاء الإيمان منه على قولهم، والكافر شاء الكفر فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى! ويلزم من قول المعتزلة والقدرية أن هناك مشيئتين: مشيئة الله، ومشيئة العبد، فالله عز وجل شاء الإيمان منه، وهو شاء الكفر من نفسه، ومشيئة الكافر غلبت مشيئة الله، وهذا كفر، أي: أنه حينما أقول لك: إن الله أراد مني الطاعة، لكني أريد المعصية، فتتعارض إرادتي مع إرادة الله، فحينما وقعت مني المعصية هذا دليل على أن إرادتي ومشيئتي غلبت إرادة الله ومشيئته! وهذا كفر.
إذاً فلا بد أن أقول: إن الله تعالى شاء الكفر، لكن ليست هي المشيئة الشرعية الدينية وإنما هي المشيئة القدرية الكونية.