للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن الخروج على ولي الأمر وشق عصا الطاعة]

قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه عنه قال: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية)].

ولاشك أن هذا الحديث له قصة طويلة جداً، خاصة لمن قرأ كتاب إمام الحرمين الإمام الجويني، (غياث الأمم) فسيجد أن هذا الحديث في هذا الزمان له مشكلة عظيمة جداً.

الحديث يقول: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة) أي جماعة هي؟ المقصود بها: جماعة المسلمين التي تقع تحت راية الخليفة والسلطان.

والخليفة الشرعي أين هو؟ لابد من خلافة راشدة على منهاج النبوة حتى نقول: إن من خرج عن هذا فمات مات ميتة جاهلية.

بعض الجماعات الموجودة على الساحة كل يدعي أن هذا الحديث يخصها، وأحياناً يعلنون ذلك، وأحياناً بطرف خفي على استحياء، وأحياناً يتبجحون به، ولا شك أن هذا التصريح تصريح خاطئ، فكل جماعة من الجماعات العاملة على الساحة ما هي إلا وحدة من وحدات المسلمين التي تهتم بجانب أو بجانبين أو بمسألة أو بمسألتين من المسائل التي أمر الله تعالى بها ورسوله، ومنهم من يخطئ ومنهم من يصيب، ومنهم من يطرأ إليه الخطأ ومنهم من يطرأ إليه الصواب، لكن هل هي الجماعة التي يجب على كل واحد منا أن يتبعها وإلا لو مات من غير بيعة لفلان أو علان مات ميتة جاهلية؟

الجواب

لا.

أنت لا يلزمك قط أن تبايع، وإني أعتقد أن من بايع أي إمام أو أي عالم أو أي جماعة في هذا العصر من هذه الجماعات فإن بيعته بدعية وليست شرعية.

لماذا؟ أولاً: البيعة لا تكون إلا للخليفة العام الذي اجتمع المسلمون عليه، متمثلاً في مجلس الحل والعقد الشرعي الذي حكم البلاد شرقاً وغرباً بأن يعينوا أميراً للمسلمين عامة كما حدث في سقيفة بني ساعدة في تولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فكان هو الخليفة المعتمد والخليفة الشرعي الرسمي الذي بعد ذلك ولى الولاة، ونصب الأمراء، ثم أطلقهم في الأمصار والولايات، وكل واحد من هؤلاء تحت إمرته هو رضي الله عنه، فإن البيعة لا تكون إلا على هذا النحو.

أما هذه البيعات فإنها كلها بيعات لا يقرها الله تعالى ولا يقرها الرسول ولا أحد من أهل العلم الذين لهم بصر نافذ وحافظة قوية، فإن الحديث من خرج من طاعة الخليفة أو طاعة الوالي والأمير والسلطان الذي ولاه وأمره وسلطه الخليفة الأعظم وهو خليفة المسلمين، فلو كان الأمر كذلك وحدث خروج على هذا الرجل فإن من مات على هذا النحو فميتته جاهلية، وأما من خالف ذلك فليس موته بجاهلية قط، فقوله: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة) التي يترأسها الخليفة الشرعي كما قلنا فميتته جاهلية.

قال: [قال: (ومن خرج على أمتي -وهي الجماعة أيضاً- يضرب برها وفاجرها -يقتل فيها البر والفاجر- لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهدها فليس مني)].

أي: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:١٠]، إذا رفع المؤمن لواء الإيمان والتوحيد قاتله لأجل إيمانه كرهاً في الإيمان وحباً في النفاق والكفر.

فإنه لو كان كذلك لكان جاهلياً خارجاً عن ملة الإسلام.

ثم يقول: [(ولا يفي لذي عهدها)].

انظر إلى عظمة الإيمان، فإن الله تبارك وتعالى يلزمنا أن نفي بالعهود حتى وإن كانت مع غير المسلمين، ولا يلزم الوفاء بالعهد إذا نكث وخان أصحاب العهد عهدهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام قد أمهل اليهود في المدينة وأقرهم في سكن المدينة على شروط: ألا يؤذوا مؤمناً وألا يخونوا وألا يغدروا وغير ذلك من الشروط.

ولكنهم سرعان ما خانوا وتكشفوا على عورات نساء المؤمنين، فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن أخرجهم وأجلاهم عنها؛ لأن الذي خان أولاً هم اليهود، فإنهم إذا خانوا العهد فلا عهد لهم، وهنا قال النبي عليه الصلاة والسلام: [(ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى مؤمنها -أي: لا يرقب فيه إلاً ولا ذمة- ولا يفي بعهدها فليس مني، ومن مات تحت راية عمية يغضب للعصبية أو يقاتل للعصبية فميتته جاهلية)].

ولذلك سئل النبي عليه الصلاة والسلام: (الرجل منا يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل) كيت وكيت وكيت وصاروا يعددون له أمور العصبية الجاهلية.

قالوا: أي ذلك في سبيل الله يا رسول الله؟! فلم يذكر أن واحدة من هذه في سبيل الله، وإنما قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

هذه الوحيدة التي تجعلك على الجادة والاستقامة، أما إذا قاتلت لأجل أبيك أو لأجل أمك عصبية أو حمية جاهلية، أو قاتلت لأجل عشيرتك، أو لشيء غير مأذون فيه من جهة الشرع أو غير ذلك فإن هذا ليس أبداً من دين الله عز وجل، ومن مات في قتال على هذا النحو فميتته جاهلية.

وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من جاء إلى أمتي وهم جميع -أي: وهم مجتمعون- يريد أن يفرق بينهم فاقتلوه كائناً من كان).

يعني: إذا كان للمسلمين خليفة وإماماً يقتدى به محل رضا، وظهر خليفة آخر وطلب البيع