للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة القائلين بأن كلتا يدي الله يمين]

أدلة من قال بأن كلتا يديه سبحانه يمين: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين)، وهذا نص ثابت.

وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما مرفوعاً: (أول ما خلق الله تعالى القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين).

واعلم أن الحديث الذي جاء في إثبات الشمال أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن عمر، وهنا ثبت عن عبد الله بن عمر أنه روى حديثاً: (أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين).

إذاً: عبد الله بن عمر وافق جمهور الرواة، ووافق الروايات بإحدى روايتيه وخالف في الأخرى؛ ولذلك هذه المخالفة في إثبات الشمال لله عز وجل إذا أتت من طريق واحد تدل على الاضطراب.

يعني: إذا كان الراوي لهذه الصفة هو عبد الله بن عمر مرة يثبت أن كلتا يديه يمين، ومرة يثبت أن لله يدين إحداهما يمين والأخرى شمال فلابد أن نقول: قد حدث هنا اضطراب، ولا يلزم أن يكون هذا الاضطراب من جانب الصحابي، بل إن ذلك في الغالب العام من طرف أحد رواة الإسناد.

ولذلك هذا الخبر هو الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: (أول ما خلق الله تعالى القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين).

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيهما شئت يا آدم! فقال: اخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة، ثم بسطها).

هذا الحديث عند ابن أبي عاصم، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي في الأسماء والصفات وغيره.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (يمين الله ملأى لا يغيضها شيء، وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض) والحديث في الصحيحين.

فلو قلنا: إن اليد هنا بمعنى: القدرة أو بمعنى: النعمة، فهل يصح أن نقول: إن النعمة تقبض وتبسط؟ قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد: باب ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أن لخالقنا جل وعلا يدين كلتاهما يمينان، لا يسار لخالقنا عز وجل، إذ اليسار من صفة المخلوقين تجلى ربنا عن أن يكون له يسار.

هذا كلام ابن خزيمة.

وقال في التوحيد أيضاً: بل الأرض جميعاً قبضة ربنا جل وعلا بإحدى يديه يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه وهي اليد الأخرى.

يعني: هي كذلك يمين، وكلتا يدي ربنا يمين لا شمال فيهما جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار، إذ كون إحدى اليدين يساراً إنما يكون من علامات المخلوقين جل ربنا وعز عن التشبه بخلقه.

وقال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب طبقات الحنابلة لـ أبي يعلى: وكما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكلتا يديه يمين) لابد من الإيمان بذلك.

قال: فمن لم يؤمن بذلك ويعلم أن ذلك حقٌ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكذب برسول الله عليه الصلاة والسلام.

وسئل الشيخ الألباني رحمه الله كما في مجلة الأصالة: كيف نوفق بين رواية: (بشماله) الواردة في حديث ابن عمر في صحيح مسلم، وبين الرواية: (وكلتا يديه يمين)؟

الجواب

قال: لا تعارض بين الحديثين، فقوله: (وكلتا يديه يمين)، تأكيد لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].

يعني: لابد أن تصرف من الذهن تشبيه الخالق بالمخلوق، فإذا صرفته فلابد أن تعلم بإثبات اليدين لله عز وجل ليس على نحو أيدي المخلوقين.

قال: فقوله: (وكلتا يديه يمين) تأكيد لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].

فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد للتنزيه، فيد الله ليست كيد البشر (شمال ويمين)، ولكن كلتا يديه سبحانه يمين.

وترجيح آخر للروايتين: أن رواية: (بشماله) رواية شاذة كما بينتها في تخريج المصطلحات الأربعة لـ أبي الأعلى المودودي.

ويؤكد هذا: أن أبا داود روى نفس الحديث الذي رواه مسلم وأثبت فيه -أي: مسلم - الشمال دون أن يثبت فيه هذه الرواية الأخرى، ولكن قال: (وبيده الأخرى) بدل (وبشماله)، وهو الموافق لقوله تعالى، وقوله عليه الصلاة والسلام: (وكلتا يديه يمين).