[دلالة حديث آدم وموسى على أن علم الله تعالى صفة أزلية له سبحانه]
قال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقي آدم موسى فقال موسى لآدم: أنت الذي خلقك الله بيده، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، فعلت ما فعلت وأخرجت ذريتك من الجنة! فقال له آدم: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلامه وآتاك التوراة، أنا أقدم أم الذكر؟)، فكل واحد صاحب منة معينة، فآدم خلقه الله تعالى بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه من كل شيء، وصحيح أنه بسبب زلته أخرج ذريته من الجنة، لكن آدم قال: يا موسى! أليس الله تعالى قد اصطفاك؛ لأنه من المعلوم أن آدم نبي وأن موسى رسول، والرسول أعظم من النبي، ولذلك قال هنا:(أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته) ولم يقل: بنبواته.
قال:(أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته، وكلمك ولم يكلم أحداً, وآتاك التوراة)، يعني: ألست موسى الذي على هذا النحو؟ قال: نعم.
قال: يا موسى! إني أسألك: (أنا أقدم أم الذكر؟) أي: اللوح المحفوظ الذي كتب الله تبارك وتعالى فيه ما وقعت فيه أنا وقدره عليَّ تقديراً؟ يعني: هذا الذي عملته أنا ووقعت فيه بقدر الله وعلمه السابق الأزلي الأبدي أو حادث؟ قال:(فحج آدم موسى)، أي: فانتصر آدم في حجته على موسى، وهذا يدل على أن الله تبارك وتعالى أول بصفاته، فقد علم الله تبارك وتعالى أن آدم سيفعل كذا، فكتبه عليه كتابة قدرية وليست شرعية؛ لأن هذا مخالفة للأمر، فآدم أكل من الشجرة بغواية الشيطان له، ولكن الله تعالى لما علم أزلاً أن آدم سيعصي الأمر، وأنه سيتبع الشيطان في ذلك في لحظة ضعف أو في لحظة هوى، أو حب الأبدية وحب البقاء في الجنة والخلود فيها، فصدقه وفعل ما فعل، هل كان الله تبارك وتعالى يعلم ما وقع من آدم أم لا؟
الجواب
يعلم؛ ولذلك كتبه في اللوح، فهو محفوظ عند الله تبارك وتعالى، فآدم حج موسى، أي: انتصر على موسى بهذه الحجة؛ لأنه عندما قال له موسى: يا آدم! كيف وقع منك هذا؟ قال له آدم: ما وقع مني إلا بقدر، يعني: وقع وانتهى، ولابد أن نؤمن أن كل ما في الكون من خير أو شر إنما هو من عند الله عز وجل، فالله تعالى خلق إبليس وهو رأس الشر، وليس لإبليس خالق غيره؛ لأن الله خالق كل شيء؛ ولذلك حج آدم موسى.
فعلم الله تبارك وتعالى صفة أزلية أو حادثة؟
الجواب
أزلية، أي: أولية، فلما كانت هذه الصفة أولية يلزم أن تكون جميع الصفات أولية كصفة الكلام، ولو قال: يا موسى! إن الله تبارك وتعالى لم يكتب هذا علي، ولم يقدره علي تقديراً كونياً قدرياً، فمعنى ذلك: أن الله تعالى ما علم ما بدر منه وما وقع إلا بعد أن وقع، وهذا قول القدرية الذين يقولون: إن الله لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه وأن الأمر أنف، وهذا كلام فاسد.
فآدم استدل له بصفة العلم وصفة الكتابة؛ ليقيس على ذلك كل صفة من صفاته سبحانه.