[عقيدة ابن حنبل في السمع والطاعة لكل أمير بر أو فاجر]
قال: [والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البر والفاجر].
أما البر فلبره وطاعته لربه، وأنه لا يأمر إلا بطاعة الله ورسوله، وإلا فلماذا وصف بالبر؟ لأنه ما من عمل يبر به كتاب الله وسنة رسوله إلا وهو مقبل عليه، فيأمر أمته وينصح لهم، وأما الفاجر فالطاعة له لازمة، والفجور هنا متوقف عند حد الفسق، أما الكفر فلا بد وأن تجتمع الأمة على خلعه، وتعيين إمام آخر وإن كان فاجراً، وتأثم الأمة بأسرها إذا لم تجتمع على خلعه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:١٤١]، فلا يجوز لأحد من الكفار أن يتولى إمرة أهل الإيمان قط، فإن كان الإمام براً طائعاً عاملاً بالكتاب والسنة، آمر بهما، ناهياً عن غير ذلك، فإن الطاعة له واجبة، والطاعة واجبة للإمام الفاجر ما لم يبلغ فجوره حد الكفر؛ وذلك حقناً لدماء المسلمين، وجلباً للمصالح ودرءاً للمفاسد.
قال: [والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البر منهم والفاجر، ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به.
ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين].
أي: أن الأصل أن مجلس الشورى يجتمع فيختار الخليفة، لكن في واقعنا اليوم: أن الرجل يدفع الرشاوى، ويسرق من هنا، ويؤلب من هناك، من أجل أن ينجح في الانتخابات، وهو شخص صعلوك، أو شخص هلفوت، لذا فالأصل أن يحمل الخليفة حملاً على تولي هذه المهمة والرسالة، ومن طلبها لا بد وأن يحرمها؛ لقول النبي الكريم: (إنا لا نولي هذا الأمر من طلبه).
لكن: شخص خرج بشلة وعصابة، وبين يوم وليلة جلس على الكرسي، وأصبحت السلطة بين يديه، والعدة والعتاد، ومن تكلم فيه بكلمة واحدة دمر البلد كله فوق رأسه، لذا نحن نسمع ونطيع حقناً لدماء الأمة كلها.
وتولية الخليفة إما عن طريق الاختيار والبيعة، وإما أن عن طريق القهر والغلبة، وفي الحالتين يجب السمع والطاعة، في الأولى؛ لأنه طائع، وفي الثانية؛ لأنه يملك إراقة دماء المسلمين.
قال: [والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر، لا يترك.
وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة]، أي: لا يصح إقامة الحدود من قبل عامة الناس، فلو أنك دخلت على زوجتك ووجدت عندها رجلاً، فأنت مباشرة سوف تقيم عليه حد الزنا، لكن هو لم يزن، وكذلك حد القذف، هو لم يقذف، وحد السرقة، وهو لم يسرق ولم تتوفر شروط السرقة في هذا الحادث، وحد القتل، هو لم يقتل، لكنه ساعد أو أشار بالقتل، لذا فلكل حد ظروفه وأركانه وشروطه، لا بد من توفرها، وأدنى شبة تدرأ هذا الحد، ولو أن هذا الأمر أوكل إلى عامة الناس لاجتهدوا جميعاً في إثبات الحد وإقامته، وخاصة مسائل التكفير ومسائل الردة، فلو أن شخصاً قال كلمة هي في نظرك ردة، وعليه فيقتل، لكن لو هو في نظرك مرتد فأنت أيضاً في نظره مرتد، وتصبح نصف الأمة في نظرها أن النصف الثاني مرتد، والنصف الثاني في نظرها أن الأول أيضاً مرتد، فهل يتصور أن الأمة تقوم كلها على بعضها، فتدمر نفسها ويحطم بعضها بعضاً؟ نعم يتصور ذلك إذا أسند إقامة الحد إلى عامة الناس، لكن إن أسند إقامة الحد إلى الوالي أو السلطان فلا، بينما التعزير قد يقوم به السلطان أو غير السلطان، ومن الخطورة بمكان أن ترى رجلاً يقيم الحد على ولده أو امرأته أو غيرهما.
قال: [وقسمة الفيء -أي: توزيع الغنائم- وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم.
ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة، من دفعها إليهم أجزأت عنه، براً كان أو فاجراً.
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولى جائزة تامة ركعتين من أعادهما فهو مبتدع].
وقد ذكرنا صلاة أنس والبراء وعبد الله بن عباس خلف الطاغية الكبير: الحجاج الثقفي.