قال: [وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لعهد إلي نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)]، إذاً: حب علي بن أبي طالب دليل على الإيمان، وبغضه دليل على النفاق، فالذي يبغض علي بن أبي طالب يكون على خطر عظيم جداً.
لكن على آية حال نحن نحب النبي عليه الصلاة والسلام وآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام حباً كما أحبهم أهل السنة والجماعة، بغير إفراط ولا تفريط، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:(لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم) يعني: لا تمدحوني وتثنوا علي بما ليس في ولا أستحقه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يستحق شيئاً ولا يستحق شيئاً آخر، فلا يستحق أن يكون إلهاً، أو أن يكون ابن الإله؛ لأن النصارى مدحت عيسى بن مريم وجعلته إلهاً، وبعضهم قال: هو ليس إلهاً ولكنه ابن الإله، فهذا بلا شك غلو شديد جداً في الأنبياء.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يحذر من ذلك، فلا يجوز أن يسجد أحد للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه صرف ما لله لغير الله، ولا يجوز صرف ما يجب أن يصرف لله لغير الله، كما لا يجوز أن يصرف لغير الرسول ما للرسول، فلا يجوز أبداً أن نؤمن بـ علي بن أبي طالب كما نؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن علي بن أبي طالب ما هو إلا رجل من المسلمين، وهو خليفة من الخلفاء الراشدين، نحبه؛ لأنه رجل مؤمن؛ ولأنه رجل صالح؛ ولأنه من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولأنه أحد الخلفاء؛ ولأنه من أهل بيته عليه الصلاة والسلام.
وغير ذلك من مناقبه وشمائله رضي الله عنه، لكن لا نرفعه إلى مرتبة النبوة، كما فعلت الشيعة، الذين يجعلون مرتبة الولاية فوق مرتبة النبوة كما تقوله الصوفية تماماً بتمام، حتى قالوا: الخلفاء الاثنا عشر هم الخلفاء الراشدون، فلا يعترفون بـ أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، إنما يعترفون بـ علي بن أبي طالب ومن بعده من أهل بيته، حتى الإمام الثاني عشر وهو عندهم المهدي المنتظر، والمهدي المنتظر عند الشيعة يختلف عن المهدي المنتظر عند اليهود والنصارى، وأهل السنة والجماعة.
فالمهدي المنتظر عند الشيعة هو أبو الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامراء في العراق، وله من العمر أربع سنوات، يزعمون أنه اختفى وأخذ قرآن فاطمة، ويقولون: القرآن الذي بيد النواصب -ويقصدون بذلك أهل السنة- ليس منه حرف واحد نزل من السماء، وهو يقدر بثلث القرآن الحقيقي الذي اختفى في سرداب سامراء مع المهدي المنتظر، وهم ينتظرونه يوماً في كل عام على فوهة السرداب بالخيل المزينة والمزخرفة وغير ذلك، والله تبارك وتعالى في كل عام يخيب سعيهم إلى قيام الساعة.
والمهدي المنتظر عند اليهود والنصارى هو المسيح الدجال الذي حذرنا منه النبي عليه الصلاة والسلام، أما المهدي المنتظر عند أهل السنة والجماعة فإنه محمد بن عبد الله القرشي، رجل من قريش، وافق اسمه اسم النبي عليه الصلاة والسلام، واسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، رجل يصلحه الله تعالى في ليلة، ثم يظهر في الأرض فيقطعها شرقاً وغرباً يدعو الناس إلى الله عز وجل، ويمكث في الأرض قدراً من الزمان، ويضع يده في يد عيسى بن مريم عليه السلام، فينزل عيسى بن مريم عند باب لد في فلسطين فيقتل المسيح الدجال وهو مهدي اليهود والنصارى، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير وهما رمز النصارى.
ثم ينطلق عيسى بن مريم مع محمد بن عبد الله المهدي لدعوة الناس إلى دين محمد عليه الصلاة والسلام، ولذلك أجمع أهل السنة والجماعة على أن عيسى بن مريم هو أحد أفراد أمة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو آخر الصحابة موتاً في آخر الزمان على الإطلاق؛ لأن عيسى حي عليه السلام، رفع إلى الله عز وجل في السماء، وهو حي الآن، وينزل في آخر الزمان، ولا يموت إلا موتة واحدة في آخر الزمان، وقد رأى عيسى بن مريم النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء الإسراء من مكة إلى بيت المقدس، وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء، وسلم عليهم نبياً نبياً، فهنا بيان أن عيسى بن مريم هو آخر الصحابة موتاً؛ قال ذلك الإمام الذهبي في كتاب تجريد أسماء الصحابة.