نرجع إلى موضوعنا الأول وهو مشيئة الله عز وجل القدرية، وهي التي قدر أن تقع في الكون، قال: ومن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم هو في شأن، يفعل ما يشاء؛ لا يقر بأن الله على كل شيء قدير، ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة، وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه؛ لا يُقر بأن الله على كل شيء قدير، ومن لا يقر بأنه استوى على عرشه بعد أن خلق السماوات والأرض، وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وأنه نزل إلى الشجرة فكلم موسى منها، وأنه ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة حين تخلو من سكانها، وأنه يجيء يوم القيامة فيفصل بين عباده، وأنه يتجلى لهم ويضحك، وأنه يريهم نفسه المقدسة، وأنه يضع رجله على النار فيضيق بها أهلها، وينزوي بعضها إلى بعض إلى غير ذلك من شئونه وأفعاله؛ من لم يقر بها لم يقر بأنه على كل شيء قدير، فيا لها من كلمة من حبر الأمة وترجمان القرآن! وقد كان ابن عباس شديداً على القدرية، وكذلك الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم.