للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سياق ما روي في أن السحر له حقيقة]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

هل السحر حقيقة أم خيال؟ والخيال: بمعنى التخييل، والوهم: أن يتوهم الإنسان أن التراب صار ذهباً، أو أن الذهب صار تراباً، أم أنه بالفعل قد صار الأبيض أسود، أو صار الأسود أبيض؟ اختلف العلماء: هل للسحر حقيقة في قلب طبائع الأشياء وأصولها، أم أنه ما هو إلا تخييل؟ يقول الله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:٦٦] فهل هذا تخييل أم أنها بالفعل كانت تسعى، فانقلبت وتحولت من عصا إلى حية؟ أم أنه خيل إليه فقط أنها تسعى، وهي في حقيقة الأمر لا تسعى؟ اختلف أهل العلم في هذه القضية: هل للسحر حقيقة أم أنه خيالات وأوهام؟ وهذه مسألة محل بحث، وسوف نسرد الأدلة فيها فيما يلي: أولاً: قال الله عز وجل: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:١٠٢].

فتبين بهذا أن السحر علم، وباتفاق أهل العلم أنه من العلوم الضارة.

والعلوم: إما نافعة، وإما ضارة.

فالعلوم النافعة: هي التي تخدم دين الله عز وجل، أو أنها هي من دين الله، كعلم التفسير، وعلم التوحيد والعقيدة، وعلم الحديث وعلم الفقه، والعلوم التي تخدم هذه العلوم وهي علوم الآلة: كعلم اللغة العربية والأدب وغير ذلك، وأصول الفقه وأصول الحديث، كل هذه العلوم تسمى علوم الآلة، وهي التي نتوصل من خلالها إلى فهم كتاب الله تعالى، وفهم سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وفهم الفقه الصحيح على هذه الأصول الشرعية.

فالعلوم هذه هي العلوم النافعة، ومن العلوم النافعة كذلك: العلوم التي تخدم عمارة الكون بما لا يتعارض مع دين الله عز وجل، كعلوم الطب والفيزياء والهندسة وغير ذلك.

أما العلوم الضارة فهي العلوم المحرمة، كعلم النجوم، أن تتعلم من النجوم ما يعارض الشرع، وعلم السحر وعلم التنجيم، وعلم السيمة الذي يعرف عند السلف بعلم السيمياء، وهو الذي عبر عنه بعض المفسرين: بمعرفة طبائع وأصول الأحرف، فهذا علم قد تبنته البهائية يقولون: بسم الله الرحمن الرحيم، الباء تعني كذا والسين تعني كذا، والميم تعني كذا، وهذا في الحقيقة لا علاقة له أبداً بالمنهجية السلفية في تفسير كتاب الله عز وجل.

فهذا من العلوم الضارة كذلك، وقد تبنته بعض الفرق الضالة، وغير ذلك من العلوم التي تتعارض مع دين الله عز وجل حلاً وحرمة.

وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ} [يونس:٨٠]؛ أي: الذين يسحرون غيرهم.

وقال تعالى: {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:١١٦].

فهذه الآيات كلها تدل على أن للسحر حقيقة، وهذا مذهب جماهير العلماء أن السحر له حقيقة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن عمر، وعثمان، وجندب، وعائشة، وحفصة أنهم أمروا بقتل الساحر وقالوا: حد الساحر ضربة بالسيف].