[القاعدة الخامسة: أن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق]
القاعدة الخامسة: السلف يقولون: التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل، والتكييف والتمثيل، وما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق، فالقدر المشترك مثلاً بين صفة الله تبارك وتعالى (الحلم) وصفتي هي أن الحليم من أسماء الله وهو حليم بحلم، فهذه صفة لله تبارك وتعالى ثابتة، وكذلك اسمه (الحليم)، وأنا كذلك سماني والدي حليماً، فأنا أشابه المولى تبارك وتعالى في مجرد الاسم فقط، ولا يجوز أن يسميني والدي الحليم؛ لأن الحليم معرف على ذات علية، ولا يجوز لأحد أن يشارك هذه الذات في هذه الصفة المعرفة بالألف واللام، فلا يجوز لأحد أن يتسمى بالكريم أو الحليم، أو العظيم، أو الرءوف أو الرحيم إلا أن يكون على نسبة العبودية لله تبارك وتعالى: كعبد الرحيم، عبد العظيم، عبد السميع، وغير ذلك، فالله هو السميع البصير الحليم القوي القدير؛ لأن هذه ثابتة لله تبارك وتعالى فقط دون أحد من خلقه، ولذلك ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، والقدر المشترك يكون في التسمية فقط، أنت رحيم والله رحيم، أنت كريم والله كريم.
هذا من جهة الصفة، وبالإمكان أن تسمى كريماً وليس عندك شيء من الكرم، أما إذا كان الله تعالى موصوفاً بالكرم فلابد أن نثبت له حقيقة صفة الكرم.
ومعنى القدر الفارق: أن رحمة الله تختلف عن رحمتي، وكرم الله يختلف عن كرمي، وفضل الله يختلف عن فضلي، وغير ذلك من الفوارق بين الخالق والمخلوق، فلا تقل: إن لله ذاتاً تشبه ذاتك، أو إن لله صورة كصورتك، ولا تتصور أن نزوله -سبحانه- كنزولك، إلا أن الاشتراك يقع في مطلق الاسم، أو في مجرد الاسم فقط، فإن صفات المخلوقين تختلف عن صفات الخالق تبارك وتعالى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فمن نفى الأول -أي: فمن نفى القدر المشترك -فقد عطل- لأنه جعل نفسه كالله تبارك وتعالى- ومن نفى القدر الفارق فقد مثل.
ومذهب السلف وسط بين التشبيه والتعطيل، وقد عرجنا عليه، وكل ممثل معطل لحقيقة الصفة وذاتها، وكل معطل ممثل.
هذه القواعد تكلم عنها شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في فتاواه العظيمة، وأخذها تلميذه ابن القيم ووضعها في كثير من كتبه.