[إثبات النووي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه بعيني رأسه والرد عليه]
ولكن الإمام النووي عليه رحمة الله مال إلى إثبات رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه بعيني رأسه، فقال عليه رحمة الله بعد أن ذكر خلاف أهل العلم في هذه القضية: فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء؛ لحديث ابن عباس، والإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أي: ليس معقولاً أن ابن عباس يجيب السائل: هل رأى النبي عليه الصلاة والسلام ربه؟ فيقول: نعم؛ من غير أن يكون عند ابن عباس دليل، لكن ابن عباس لم يسق هذا الدليل.
وهذا غير صحيح، ولو ساق الدليل لحملناه على أنها رؤية فؤاد وقلب.
قال: وهذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه.
أي: أن الصحابة إذا أخبروا في هذه القضية بخبر فلا بد أن يكون لهم فيها نص عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: ثم إن عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان معها منه حديث لذكرته.
يقصد أن عائشة لما قالت: (من حدثكم أن محمداً قد رأى ربه فقط أعظم على الله الفرية).
فهذا كلام من عندها هي، وهي لم تنف الرؤية بحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بمعنى أنها لم تسأله فأجابها بالنفي.
فنقول: إذا كانت عائشة رضي الله عنها لم تنف بحديث مرفوع فقد نفى بحديث مرفوع أبو ذر رضي الله عنه، وذلك لما قال: سألت النبي عليه الصلاة والسلام: (هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نوراً)، وفي رواية: (نور أنى أراه؟) أي: حجبني النور، أو أن الله تعالى نور، فمن أسمائه النور، وهذا النور مخلوق لله عز وجل بنور الله عز وجل الذي هو اسم من أسمائه، ولا يجوز أن نشبه النور الذي نعرفه بالنور الموصوف به الله تبارك وتعالى والمسمى به؛ لأن النور جسم من الأجسام، وهذا لا ينبغي ولا يجوز لله عز وجل.
وقال النووي في تأويل حديث أبي ذر: (نور أنى أراه؟): حجابه نور فكيف أراه؟ أي: والحالة هذه فكيف أرى الله عز وجل وقد حجبني عن الرؤية النور الذي اتخذه الله عز وجل، أو النور الذي هو من أسماء الله تعالى وصفاته.
فإذا كان الإمام النووي يؤكد هذا المعنى، ويميل إلى هذا التأويل فما باله يذهب مرة أخرى إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى ربه؟! فهذا يؤكد صحة ما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها من أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ير ربه في تلك الليلة.
فإن قيل: إن هذا حدث وعائشة لم تزل صغيرة، فلعلها أخطأت، فنقول: لم لم ترجع عائشة عن هذا القول؟ نعم أن الإسراء والمعراج كان والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، ولكن عائشة استمرت حياتها بعد ذلك لمدة أعوام، وماتت في سنة (٥٠) هجرية أو بعدها، فإذا كانت عائشة قد أخطأت قبل أن تبلغ الحلم فما الذي منعها أن تصحح هذا الخطأ بعد بلوغها، وفي تقدمها في السن؟ وخاصة أن هذه مسألة اعتقادية خطيرة لا بد وأن تراجع فيها عائشة مرة أخرى وثانية وثالثة، فلم لم ترجع عن هذا المذهب؟ ثم إن عائشة لم تنفرد هنا وحدها بالنفي، فهناك معها أبو ذر، ومعها عبد الله بن مسعود، وسكوت الصحابة رضي الله عنهم عن مثل هذا يدل على أنهم موافقون لـ عائشة، وتأويلهم لحديث ابن عباس أنها رؤية قلب يدل على أن المسألة عند الصحابة على جهة الخصوص لم يكن فيها خلاف؛ لتأويل كلام ابن عباس بما يتفق مع مذهب جمهور الصحابة رضي الله عنهم.
وابن تيمية عليه رحمة الله يتكلم بكلام جميل جداً على قوله عليه الصلاة والسلام: (نور أنى أراه؟) فيقول: معناه: كان ثَم نور، يعني: كان هناك نور فحجبني عن الرؤية، وحال دون رؤيته، ويدل عليه أن في بعض ألفاظ الصحيح: (هل رأيت ربك؟ فقال: رأيت نوراً) ولم يقل: نعم، وإنما قال: (رأيت نوراً)، وقد أعضل أمر هذا الحديث، وأشكل على كثير من الناس، حتى صحفه بعضهم فقال: نوراً إني أراه، وهذا لا يتفق مع اللغة العربية، وتصحف كذلك بما هو أقبح من ذلك على بعض المحدثين فقال: (نوراني أراه) بدل (نور أنى أراه؟) فجعلها كلمة واحدة فقال: نوراني أراه، وهذا شر من سابقه.
وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي -وهو من جبال السنة- في كتابه الرد على بشر المريسي إجماع الصحابة على أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج.
إذاً: فهذا إجماع الصحابة -وهو محل احترام واعتبار- على أنه عليه الصلاة والسلام لم ير ربه ليلة المعراج، وبعض من صنف في هذا الباب يستثني ابن عباس من ذلك، وشيخنا يقول: ليس ذلك بخلاف في الحقيقة؛ فإن