[كلام الذهبي في بشر المريسي]
والذهبي تكلم عن المريسي فقال: (هو المتكلم المناظر البارع أبو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريم العدوي مولاهم البغدادي المدني، لأنه كان من موالي آل زيد بن الخطاب رضي الله عنه.
وكان بشر من كبار الفقهاء، أخذ عن القاضي أبي يوسف، وروى عن حماد وسفيان بن عيينة، وناظر في الكلام فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة من العلماء، ولم يدرك جهم بن صفوان بل تلقف مقالاته من أتباعه.
وللمريسي تصانيف كثيرة، ذكره النديم وأطنب في تعظيمه وقال: كان ديناً ورعاً متكلماً، ثم حكى أن البلخي قال: بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلاً؛ مخافة الشبهة).
يعني: كان لا يجامع امرأته بالليل مخافة أن تكون ليست امرأته، والتنطع في الإسلام إما أن يكون بالسلب أو الإيجاب، بإدخال ما ليس من الدين فيه، أو بترك ما فرضه الله عز وجل تنطعاً وانحلالاً.
قال: (ولا يتزوج إلا من هي أصغر منه بعشر سنين؛ مخافة أن تكون رضيعته، وكان جهمياً له قدر عند الدولة، وكان يشرب النبيذ، وقال مرة لرجل اسمه كامل: في اسمه دليل على أن الاسم غير المسمى.
له كتاب في التوحيد، وكتاب في الإرجاء، والرد على الخوارج، والاستطاعة والرد على الرافضة في الإمامة، وكفر المشبهة، وكتاب في المعرفة، وكتاب في الوعيد، وأشياء غير ذلك كثيرة.
قال ابن مهدي أيام ما صنع بـ بشر ما صنع: من زعم أن الله لم يكلم موسى يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وقال يزيد بن هارون: ما في فتيانكم من يفتك به؟) يعني: لا يوجد أحد يتخلص منه.
(وقال أحمد بن حنبل لما ذكر عنده المريسي: كان أبوه يهودياً، أي شيء ترونه يكون؟) أي: يكون يهودياً مثله بالضبط.
وقال الإمام الذهبي كلاماً جميلاً جداً، وهذا يدل على قمة العدل والإنصاف عند الإمام الذهبي، قال: (مات بشر المريسي سنة ثمان عشرة ومائتين وقد قارب الثمانين، فهو بشر الشر، وبشر الحافي بشر الخير).
والاثنان كانا في زمن واحد، وفي بلدة واحدة أيضاً.
(كما أن أحمد بن حنبل هو أحمد السنة، وأحمد بن أبي دؤاد أحمد البدعة).
ومن كفر ببدعة وإن جلت -يعني: وإن عظمت وكبرت- ليس هو مثل الكافر الأصلي.
يعني: الذي يكفر ببدعة ليس هو كالكافر الأصلي.
(ولا اليهودي والمجوسي، أبى الله أن يجعل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وصام وصلى وحج وزكى وإن ارتكب العظائم وضل وابتدع؛ كمن عاند الرسول، وعبد الوثن، ونبذ الشرائع وكفر، ولكن نبرأ إلى الله من البدع وأهلها).
وهذا كلام فيه اعتدال، فهو يريد أن يقول: إن هذا المجرم كافر، لكن كفره لا يسوى بكفر فرعون وهامان، فكفرهما كفر أصلي، وهم في جهنم، لكنهم في دركات تختلف بعضها عن بعض، فليس كفر الكافر الأصلي كالكفر الطارئ.